ولو كنتِ لهوًا كنتِ تعليل ساعةٍ ... ولو كنت نومًا كنتِ إغفاءَة الفَجْرِ
ولو كنت ليلًا كنت قمراء جُنِّبَتْ ... نُحُوسَ ليالي الشَّهْرِ، أو ليلةَ القدرِ
(ولو كُنْتِ كُنْتِ) هذا أبدع عنوان لأجمل قصيدة في فلسفة الغزل. وانظر كيف جعل الأعرابي حبيبته أصفى شيء، وأغلى شيء، وأسعد شيء، وكيف صورها شعرًا للشِّعر نفسه. ثم قابِلْ هذا الذوق المصفى بذوق من يجعل حبيبته من كل شيء، ومن كل موجود وموعود تؤامًا وزؤامًا وبلاء عامًا" انتهى كلام الرافعي.
فإن شئت أن تعرف كيف يتناول الشعراء هذا المعنى المغسول من الشعر "فيك من كل شيء" فانظر حيث يقول جرير، وهو فيما نعلم أول من افتتحه:
ما استوصف الناس (من شيء) يروقُهم ... إلا أرى أُمَّ عمرو فوْقَ ما وَصَفوا
كأنها مُزْنَة غزاء واضحة ... أو دُرَّة لا يُوارِي ضَوْءَها الصَّدَفُ (١)
وقد أحسَنَ جرير تحديد المعنى وتجريده من اللغو (من شيء يروقهم) وجعل في صاحبته من ألوان الجمال ما تهفو إليه نفوس الناس على اختلاف أذواقهم وتباين أنظارهم. وكأن أبا نواس نظر إلى هذا المعنى حين قال:
لكِ وجهٌ مَحَاسنُ الخَلْقِ فيه ... ماثلات تدعو إليه القُلوبا
على أن جريرًا قد ناقض وأحال وأفسد ما استصلح من شعره حين رجع فقال في البيت الذي يليه: "كأنها مزنة. . . أو درة" فإن هذا الحرف (كأن) للتشبيه، والتشبيه يدعى قصور المشبه عن المشبَّه به، وهو قد ادعى أنه يرى صاحبته فوق ما يصف الناس (من شيء) يروقهم أو يروعهم أو يفتنهم.