العرب، وطبع في مصر، وقدم له الدكتور طه مقدمة أثنى فيها عليه ثناء بالغًا، ومع ذلك فقد وجدنا في الذي نقله من الأخبار والأحاديث تحريفًا وبترًا وانقطاعًا من نصوص محفوظة معروفة. أفلا يجوز لنا على الأقل أن نشك في أن اليهودي الآخر طابع كتاب البلاذرى، يفعل مثل هذا؟ إننا على الأقل نشك ونتوقف. هذا إلى أن طريقة التأليف القديمة وبخاصة ما كان على غرار تأليف البلاذرى، قد يترك المؤلف فيها شيئًا في مكان، ثم يذكره في مكان آخر، وكان أولى أن يذكر في المكان الأول، وهذا شيء يعرفه الدكتور كما نعرفه وأحسن مما نعرفه، أفلا يجوز أن يكون البلاذرى قد ذكره مثلا في ترجمة (عمار بن ياسر) أو (محمد ابن أبي بكر) أو (محمد بن أبي حذيفة) أو رجل ممن اشترك في هذه الفتنة؟ وهو يعلم أن الذي وجد من كتاب البلاذرى قسم ضئيل جدًّا طبع منه جزء في ألمانيا سنة ١٨٨٣، ثم تولى اليهودي الصهيوني طبع جزء آخر هو الذي فيه ترجمة عثمان في سنة ١٩٣٦، ثم طبع جزء آخر في سنة ١٩٣٨ قال الناشر في مقدمته المكتوبة بالعربية إن هناك حوادث جرت في عهد يزيد بن معاوية، هي وقعة كربلاء وموت الحسين "ولم تذكر في ترجمة يزيد، بل ذكرهما في تراجم بني أبي طالب، وذلك حسب ما اقتضاه نظام الكتاب وفقًا لتسلسل الأنساب" كما قال بنص كلامه. أفلا يجوز إذن أن يكون البلاذرى قد أدمج أمر عبد الله بن سبأ في مكان آخر كما فعل فيما لاحظه وذكره هذا اليهودي؟ كل هذا جائز، ولكن الدكتور حين يريد أن ينفي شيئًا لا يبالي أن يجتاز كل هذا ويغضى عنه، ليقول فيه بالرأي الذي يشتهيه ويؤثره غير متلجلج ولا متوقف.
ثم كيف نسى الدكتور أن من لم يرو خبرًا ما ليس حجة على من روى هذا الخبر، وبخاصة إذا كان الرجلان من طبقة واحدة كالبلاذرى والطبري؟ بل لعل الطبري أقوى الرجلين وأعلمهما وأكثرهما دراية بالتاريخ وتحصيلا له، وهو الذي روى عنه أنه قال لأصحابه:"أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره قال: ثلاثون ألف ورقة. فقالوا: هذا مما تفنى فيه الأعمار قبل تمامه. فاختصره لهم في ثلاثة آلاف ورقة. ثم قال لهم: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحوًا مما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا لله! ! ماتت الهمم! ".