ومن قرأ كتاب الطبري في تاريخه أو تفسيره علم أن هذا حق، وأن الرجل كان فارغًا للعلم لا يلفته عنه شيء قط، ولا يدع شاردة ولا واردة إلا تقصاها وحققها ورأى فيها الرأي الذي لا يكاد ينقض. والفرق بينه وبين البلاذرى لا يخطئه بصير بهذا العلم فليس من الحجة في شيء أن يقال (في عصرنا هذا): إن البلاذرى لم يذكر هذا، فيكون ذلك كافيًا في الرد على ما ذكره الطبري. وهذا شيء بين لا يحتاج إلى جدال كثير.
وإذن فالدكتور قد اشتط وركب مركبًا لا يليق بمثله حين نفى خبر عبد الله ابن سبأ، وخبر الكتاب الذي فيه الأمر بقتل المصريين بعد الذي قد رأيت من تهافت أسلوبه في البحث العلمي؛ وإذن فالدكتور قد خالف سنة العلم والعلماء في نفي الأخبار وتكذيبها بلا حجة من طريقة أهل التمحيص، بل تحكم تحكما بلا دليل يسوقه عن فضيلة البلاذرى وتقديمه على الطبري، وبلا مراجعة للصورة التي طبعت عليها الكتب، وبلا دراسة لنفس الكتب التي ينقل عنها كما هو القول في ابن سعد والبلاذرى معًا. وإذن فيحق لنا أن ننقل هنا كلمة للدكتور طه نفسه قالها عندما ذكر أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وذكر الخلاف الذي كان بينهم، وذكر أو زعم أنهم تراموا بالكبائر وقاتل بعضهم بعضًا، وزعم أنه لا ينبغي لنا أن يكون رأينا فيهم أحسن من رأيهم هم في أنفسهم، فقال في ص ١٧٢ من كتابه:
"ينبغي أن نذهب مذهب الذين يكذبون أكثر الأخبار التي نقلت إلينا ما كان بينهم من (فتنة) واختلاف. فنحن إن فعلنا ذلك لم نزد على أن نكذب التاريخ الإسلامي كله منذ بعث النبي، لأن الذين رووا أخبار هذه الفتن، هم أنفسهم الذين رووا أخبار الفتح وأخبار المغازي وسيرة النبي والخلفاء. فما ينبغي أن نصدقهم حين يروون ما يروقنا، وأن نكذبهم حين يروون ما لا يعجبنا، وما ينبغي أن نصدق بعض التاريخ ونكذب بعضه الآخر، لا لشيء إلا لأن بعضه يرضينا وبعضه يؤذينا".
وهذا حق، ولكن الدكتور يحتج به في معرض الطعن في الصحابة ومعرض القول في نسبة الأخطاء الماحقة إلى أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، ثم يعود فيسقط هذا