للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شأس بن قيس ين يهود بني قينقاع -وكان شيخًا عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم- على نفر من أصحاب رسول الله من الأوس والخزرج، فيغيظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فيقول: "قد اجتمع ملأ بني قيلة (يعني الأوس والخزرج) بهذه البلاد! لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملأهم بها من قرار. فيأمر فتى شابًّا من يهود أن يجلس إليهم فيذكر "يوم بعاث" وما كان قبله، وينشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. فيفعل هذا اليهودي، فإذا الجماعة المؤتلفة على الإسلام تتنازع وتتفاخر، فيتواثب رجلان من الأوس والخزرج، فيقول أحدهما لصاحبه: "إن شئتم رددناها الآنَ جذَعة" (١)، ويغضب الفريقان جميعًا ويقولون: "قد فعلنا، موعدكم الظاهرة (يعنون مكانًا بعينه) ويتداعون: "السلاحَ السلاحَ". ويخرجون إلى موعدهم، فيبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر، فيخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى إذا جاءهم قال: "يا معشر المسلمين! الله الله! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به، وقطع عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم؟ " فيعرف الأنصار، أوسهم وخزرجهم، أنها نزعة من الشيطان (٢) وكيد من "عدوهم"، فيبكون ويتعانقون، ثم ينصرفون مع رسول الله سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شأس بن قيس اليهودي. (عن ابن إسحاق وغيره).

وأنا لست أروى لك هذا إلا لتقف على كيد يهود كيف كان؟ ولتعرف كيف كان ترفقهم إلى إثارة العداوة بين هذين الحيَّين منذ قديم؟ ولتنظر لم كانوا يحبون أن تظل هذه العداوة حية متوقدة ليأكلوا من ثمراتها مالا وغلبة وسلطانًا على العرب؟ ولتقارن هذا كله بما لا يزال يجرى إلى أيامنا هذه على يد هذه الشرذمة الخبيثة من بني إسرائيل!


(١) جَذَعَة: أي كما كانت وكما بدأت، أي الحرب.
(٢) كذا في الأصول بالعين المهملة، والصواب بالمعجمة. نزغ بينهم بنَزْغ: أَغْرَى وَأَفْسَد، وفي محكم التنزيل {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}.