صفتهم في كتابه، وبين لنا أحسن البيان صلتهم باليهود وإيواء اليهود لهم، ويكثر ما نزل من الآيات في شأن اليهود والمنافقين جميعًا، مقرون ذكرهما معًا. وتكون أول سورة نزلت من القرآن في المدينة هي السورة التي تذكر فيها (البقرة)، يقول الطبري في تفسيره ج ١ ص ٨٤ بإسناده عن ابن عباس:"إن صدر سورة البقرة إلى المئة منها نزل في رجال سماهم بأعيانهم وأنسابهم من أحبار يهود ومن المنافقين من الأوس والخزرج، كرهنا تطويل الكتاب بذكر أسمائهم". ثم ماذا؟ ثم تكون آخر سورة نزلت بالمدينة، أو آخر سورة نزلت من القرآن، هي سورة "براءة" أو سورة "التوبة"، تلك السورة التي فضحت اليهود والمنافقين وهتكت عن سرائرهم، وكشفت عما كانوا يبيتون من القول ومن الكيد، والتي يقول الله فيها:{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ}، والتي سماها بعضهم "الفاضحة" و"المُخْزِية" و"المُنَكِّلَة" و"المُشَرِّدّة" و"المُدَمْدِمة" دلالة على ما جلبت على اليهود والمنافقين من الفضيحة والخزى والتنكيل والتشريد والدمدمة. ثم تكون هي السورة التي يذكر فيها "الأعراب" الذين حول المدينة من حلفاء يهود، ست مرات.
تنزل أول سورة من القرآن (١)، فإذا هي في اليهود والمنافقين، وتنزل آخر سورة من القرآن فإذا هي في اليهود والمنافقين ومَن حول المدينة مِن الأعراب حلفاء يهود، وينزل ما بينهما من القرآن في عشر سنوات متواليات يصف ما كان من أمر هؤلاء، وينذرهم، ويكشف عن دسائسهم وكيدهم، فإذا بك ترى تاريخ الإسلام في هذه الحقبة -منذ هاجر رسول الله إلى أن توفاه الله- حافلا بالغدر والكيد والتأليب ونكث العهود ونقض المواثيق. ويكون أول ذلك أن تسلم طائفة من أحبار يهود سماهم أصحاب السير والتاريخ، يسلمون نفاقًا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كما فعل كعب الأحبار وعبد الله بن سبأ وغيرهما في عهد عمر وعثمان)، فكانوا يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين ويسخرون منهم