للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويستهزئون بدينهم، ويحدثنا ابن هشام عنهم فيقول: "فاجتمع يومًا في المسجد ناس منهم، فرآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحدثون بينهم خافضى أصواتهم، قد لصق بعضهم ببعض، فأمر بهم رسول الله فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفًا"، فهل تجد أوضح ولا أبين من هذا في صفة المتآمرين حين يجلسون يتخافتون بينهم أمرًا يكيدون به ويبيّتونه؟ ويظل هذا حال المنافقين وحال اليهود معًا إلى أن يدعو الله إليه رسوله. يأوى المنافقون إلى أشياخ من اليهود يتآمرون يومًا بعد يوم عشر سنوات متواليات، ويكون على رأس هؤلاء المتآمرين رجال كأمثال رفاعة بن زيد ابن التابوت اليهودي الذي أظهر الإسلام وأبطن النفاق، فيسميه المسلمون "كهف المنافقين"، لأنهم كانوا يخلون إليه، ويتآمرون فيه بليل، ويستودعون ظلام هذا الكهف السميع البصير سرَّ تآمرهم وخفي كيدهم. ورسول الله في خلال ذلك كله يجاهدهم ويرجو هدايتهم، ويظل يفعل ذلك ثمانى سنوات غير قانط ولا يائس، يصلى على من مات من المنافقين ويستغفر لهم، فإذا طال ذلك أنزل عليه ربه في سورة "براءة" آخر سورة نزلت، أشد آية في القرآن خاطب الله بها عبده ونبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم -: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} ثم ينهاه أشد النهي فيقول: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}. كلمات قاطعة وأوامر حاسمة كحد السيف! !

عشر سنوات والقرآن ينزل على رسول الله في المنافقين واليهود مقرون ذكرهما معًا! ! عشر سنوات تقرأ تاريخها في كتب السيرة فلا تمضي صفحة واحدة إلا وفيها ذكر لليهود والمنافقين معًا، عشر سنوات واليهود والمنافقون معًا يؤلبون على رسول الله القبائل ويفتنون المسلمين، ويدبرون الكيد للمؤمنين والمؤمنات ولرسول الله، حتى كان ما كان من اليهودية التي دست له ولأصحابه السم في الشاة فينبأ - صلى الله عليه وسلم - بما فعلت، فيلفظ بضعة اللحم من فمه - صلى الله عليه وسلم -.

ثم ماذا؟ ثم يحدثنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويحدثنا منهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - فيقول: "كان آخر ما تكلم به - صلى الله عليه وسلم - أن قال: