خبيث القول والفعل مجنون الإرادة" ثم قلت في آخرها: "وعن قريب سوف تقول حكومات العرب كلمتها، وسوف يجتمع رأينا على أننا لن نرضى، بأن نجعل قضيتنا أجزاء يتلعب بها هذا ويلهو بها ذاك. إنها قضية واحدة، يرفعها شعب واحد، مطالبًا بحق واحد، هو أننا أحرار في بلادنا". وأنا لا أنقل هذا لأعرض على الناس شيئًا مما كنت توقعت، بل لأقول إن السياسة البريطانية قد علمت علم هذا كله، فهي تريد أن تسبق الزمن لتضعنا في الإِصْر (١) الشديد الذي يسمى بالمعاهدات، ولتستعبدنا في أغراضها، ولتنتقم منا ومن تاريخنا، ومن قديمنا وحديثنا. وأقول إن ساسة الشرق وساسة العرب لا يزالون يعيشون في غفلة الخيانات القديمة التي تولى كبرها رجال ظنوا أنهم زعماء هذه الشعوب، أي أنهم قد ملكوا رقابها فهم يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه، وذهبوا يفاوضون بريطانيا فيأخذون منها شيئًا وينزلون لها عن أشياء كثيرة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، فتبت أيديهم ولعنوا بما قالوا، فقد جروا الشرق كله إلى مضلة لا يهتدى فيها سارٍ إلى علم.
ولكن الشعوب العربية كانت أشد منهم قوة، وأهدى إلى مواطن الحق، فما كادت تشب الثورة في العراق حتى نادى أهل العراق بالجلاء الناجز "عن جميع البلاد العربية"، وهذه الكلمة الشاردة هي كلمة الحق التي سوف ينتهي أمرنا إليها، أبى السياسيون القدماء أم رضوا. فالبلاد العربية من العراق إلى الجزيرة إلى الشام إلى لبنان إلى فلسطين إلى مصر والسودان، إلى تونس والجزائر ومراكش، أمة واحدة، والاستعمار فيها واحد، ومطالبها واحدة. فينبغي إذن أن تصاغ قضية العرب على هيئة واحدة، لا في السياسة الخارجية وحسب، بل في موقفنا جملة واحدة في وجه الطغيان الاستعماري كله، سواء جاء بهذا الاستعمار بريطانيا أو فرنسا أو أمريكا أو روسيا أو هولندة أو أية دولة على ظهر الأرض.
وينبغي أن تعدل سياسة الدول العربية جملة واحدة، فتطالب بمطلب واحد