بالشعور. . . . (وأين وأنى وكيف نجدها يا أستاذ الأستاذين؟ ) وإما أنه يدرك هذا الجمال ولكنه يتلاعب بالصور الذهنية وحدها، غافلا عما أحسه وأدركه. . . . وما ندري كيف كان يحسه الرافعي -رحمه الله-؟
أكان يحسه ويدركه بقوة الجوع والعطش في البيت الذي يليه:
كيف بي أُعزلُ إن أغنيتني ... أنت، حتى عن شرابي والطعام!
وأخيرًا، فقد خير الأستاذ قطب أصدقاء الرافعي بين أن يحكموا عليه بإحدى كلمتيه أن يكون رحمة الله عليه مسلوب "الطبع" أو مسلوب "العقيدة". وقد تبين بعد الذي قلنا أن نقد الرافعي نقد "محكم" في سياق العربية، وفي جوهر الشعر ونزيد فنقول إن قارئ القصيدة (غزل فلسفي) حين يقرؤها إلى أن ينتهي إلى هذا البيت: "فيك مني ومن الناس. . . ." لا يجد فيها من "الحياة" ولا من "الخيال" ولا من "غنى الشعور" ولا من "الإحساس الفني" -إلى آخر ما يتنبل له الأستاذ قطب- ما يجعل نقد هذا البيت بعينه دليلا على ضيق الإحساس واستغلاق الشعور، والغفلة عن الجمال، وفساد الإنسانية في قلب ناقده.
وعلى هذا فقد سقط الدليل الأول من أدلة أحكامه على الرافعي وبان في ذلك ما امتاز به الرافعي من الدقة وصدق الإحساس في إدراك معاني الشعر وما فيه من غضارة ورُوقة وجمال.