للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والقنوط من الحياة"، كأن الأول الذي فهمه هو الصواب وكأن هذا الثاني جائز على تمريض (١).

وأخطأ التبريزى فيما فهم من قول الشاعر (ساء ظنه)، أخطأ أيضًا في هذا التفسير الذي قال إنه (يجوز) أن يكون من وجوه تأويلها، فالعرب حين تأتي بقولها (ساء ظنه) في مثل هذا الموضع، إنما تريد بالظن: ذميم الخواطر التي تخامر نفس المحارب حين يحمر البأس، إذ يحدث نفسه بالهرب والفرار حبا للحياة وحرصًا على الأموال، فيرتكت أخلاق اللئام والأنذال والجبناء في ترك المحاماة عن الأعراض مخافة الموت المطبق. فمن ذلك قول أشابة بن سفيان البجلى.

ومُسْتَلْحَمٍ يدعو، وقد ساء ظنه، ... بمهلكة، والخيلُ تَدْمَى نُحورُها

كررت عليه، والجياد كأنها ... قنًا زاعِبىّ، لم تَشِنْها فُطورُها (٢)

فنهنهتُ عنه أولَ الخيل، إننى ... صبور، إذا الأبطال ضجَّ صَبورُها

والمستلحم: من قولهم: استلحم (بالبناء للمجهول) أي روهق في القتال واحتوشه العدو من هنا وهنا. فهو يدعو باسم عشيرته، وقد حدث نفسه بالفرار. وهذا البيت هو نفس معنى بيت البعيث. إلا أن هذا قال: "بمهلكة والآخر قال: "وقد كانا على حد منكب" بفتح الكاف. وهو أيضًا ما قاله التبريزى أولا، ثم أخذه حب الاجتهاد، فظن ظنًّا خطَأً جعله رواية للبيت، بكسر الكاف، ثم توهم وتصنع الاجتهاد، ثم ادعى ما ادعى.

وقول زفر بن الحارث الوالبى (المؤتلف: ١٣٠)

وإني بذات الرِّمْثِ لم أُلْفَ عاجزًا ... ولا ورَعًا يوم التهايج أعزلا (٣)

منعتُ ابن ورّاد وقد ساء ظنّه ... وأنقذت من تحت الأسنة نوفلا


(١) تمريض: تَوْهِين وضعف.
(٢) القنا: الرماح، ورمح زاعبىّ: إذا هُزّ تدافع كله كأنه يجرى في مقدمته. الفطور: الشقوق، أي ليس لها شقوق أصلًا فتشينها.
(٣) الوَرَع: الجبان.