فإذا بلغ الأمر أن تراه ينتصب لجدالك، فاذكر قول من قال: إذا أردت أن تفحم عالما فأحْضِرْه جاهلا. وقد لقيت أنا من شر ذلك ما لقيت، فآثرت أن أسلك سبيلى لا يشغلنى عنه متعلق بأذيالى، إرادة أن يصرفني عن الوجه الذي أردت.
ولقد قرأت كلمتك في الرسالة، فأسفت أشد الأسف، لأني عرفت منها أنك لم تقرأ ما كتبتُه في مجلة "المسلمون" وفي أربعة أعداد منها. ولو كنتَ قرأتها لما كتبت ما كتبت، لأني لا أشك في ذكائك وحسن فهمك، فأنا لم أتعرض في شيء منها لبنى أمية أو بنى العباس، ولا لحكمهم، ولا لسياستهم؛ فعجبت أشد العجب كيف يمكن أن تكون معى أو على في أمر لم أقل فيه كلمة، ولا يعلم أحد ممن كتب رأيي فيه، ولا كيف أقول إذا أنا تعرضت للبيان عنه؟ فمن أجل ذلك عجبت، لأنك لم تنصف على عادتك من الإنصاف.
وأنا محدثك باختصار عن هذا الذي كتبته. أصل ذلك كله أنى رأيت من كتب من المُحْدَثين في شأن تاريخ الماضين من أسلافنا، يكتب أو يتحدث بأسلوب أقل ما يقال فيه أنه مشوب بالحماقة الشديدة، مختلط بالجهالة المتراكبة، في معرفة أصول التاريخ، مغموس في حمأة من الافتراء والتطاول، مستنقع في أهواء سيئة رديئة. وزعمت أن للناس أدبا وأسلوبا في كتابة التاريخ، وأن للمسلمين خاصة أدبًا وأسلوبًا في التاريخ ينبع من أصل دينهم، في العدل، وفي حسن النظر، وفي الأناة في طلب الحق، وفي كف اللسان عن التهجم بالقول السئ على عباد الله بلا بينة، وفي التناهي عن اقتفاء المرء ما ليس له به علم، وفي التثبت من الأخبار قبل تصديقها. وهو أدب كما تعلم كان قديما في كتبنا، ولكن حضارة هذا القرن قد نشرت وباء شديد الفتك، ذهب بأكثر هذا الأدب، وأخذت في طريقى أضرب المثل على هذا بكاتب رأيته لم يتورع عن سلب الناس دينهم، ولم يخش الله في نفي الإسلام عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي تصوير أعمالهم بصورة أعمال المنافقين، وفي أخذ الروايات الباطلة وجعلها دليلا على الغميزة في إيمانهم، وفي رد الروايات الثابتة الصادقة بروايات كاذبة ادعاها مدع من الرافضة، إلى غير ذلك مما سأبينه فيما أكتب في مجلة