للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في بلاد الدولة العباسية وقد أثّرت في العلم والفن وأثر فيها العلم والفنُّ فلو أن المؤلف عرضهُ عرضًا خلابًا فاتنًا لما ترك من بعده مقالًا لقائلٍ.

ومثل هذا العرض لابدّ فيه من تضافر أمرين. الأول: كثرة المادة التي يريد أن ينبني عليها المؤلف كتابه، وتهيئتها قبل البدء، ومعرفة المواضع التي يجب أن يكون فيها التحقيق العلمي وما هو بسبيله من إثبات أثر الاجتماع في العلم والفن أو أثرهما فيه بحيث لا يفسد جفاءُ التحقيق جمال الوضع وحسن الوصف. والثاني: قلمٌ سيالٌ عنيفٌ متزن يمده خيال واسع محيط وفكر متوقد لا يخبو كالشعلة من النار كلما احتطب لها ازدادت توهجًا واشتعالًا حتى ترسل الكلمات في تيار جارف من القوة والرهبة ليحطم بذلك ما بين القارئ وبين العصر الذي يدرسه من أسوار وحوائل. وقد تهيأ الأمر الأول للأستاذ "أحمد أمين" كما دلنا على ذلك كتابه، أما الآخر فكأني به شيخ محنك قد حطمتهُ السن يضع الكلمة بعدها الكلمة في هدوء ووقار. لأنهُ لا يخرجها إلّا بعد أن يزنها في الميزان المهيأ من تجاربه وما لقى من أحداث دهره فمن أجل ذلك ما تجده كثير الاستعانة بما ليس للقارئ بهِ حاجة كقوله في المواضع الكثيرة "في عصرنا الذي نؤرخه" فكأنهُ يخشى أن يكون قارئه قد نسى أنهُ يقول ما يقول عن العصر العباسيّ.

وبعدُ فهذا أهم ما نقوله عن الكتاب من جهة وضعه وعرضه وبقيت أشياء قد عرضت لنا حين القراءة على ضيق الوقت والتباسنا بالعجلة وهذا حين نحقق ما عرض لنا من ذلك.

١ - نقل المؤلف من رسائل الجاحظ في ص ١١ قوله "من ذلك: أن أهل البصرة أشهى النساء عندهم الهندياتُ وبناتُ الهندياتِ، والأغوارُ. واليمن أشهى النساءِ عندهم الحبشياتُ وبناتُ الحبشياتِ" ووضع نقطة الفصل بعد "الأغوار" ممَّا يدلُ على أنها معطوفة على "الهندياتُ وبنات الهندياتِ" وعلقَ على الأغوار بقوله "الغُورَة بالضم: بلدةٌ عند باب هراة، وبلا هاء، ناحية بالعجم. "والصواب" والأغوارَ واليمنَ أشهى النساء عندهم. . . إلخ، يعني أهلَ تهامةَ والحجاز واليمن "قال الأزهري: الغَوْرُ: تهامة وما يلى اليمن. وقال الباهليّ: كل