للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مع حلاوة المخرج وحسن الأداء. ورأي شعراء الحضر يمدحون بالشعر فيه الغزل وفيه الحكمة وفيه السياسة والتحريض والدعوة إلى التوفيق أو التنبيه إلى الدسيسة. ورأي الجدَلَ في مجلس الخلافة بين العلماء من فقهاء ونحويين ولغويين، ورأي أولياء العهد في ملاعبهم ومجالس علمهم، والندماء في لباس الشراب والمغنين في الأقبية الخراسانية بأيديهم المزاهر والأعواد ومن كل آلات الطرب، بينهم القيان الجميلات والإماء الأديبات، والشراب يدور بهِ الولدان والفتيات بزينتهنّ وحسنهنّ. فإذا خرج إلى البساتين رأي الأفراس المطهمة عليها الذهب والفضة في أيدي الشاكريين (السوَّاس) عليهم البزَّة الجميلة ثم رأى حيرَ الوحش (حديقة الحيوان) تخرج الوحوش منها تقرب الناس وتأكل من أيديهم، والفيلة المزينة بالديباج والوشى مع أصحابها من فيالة السند، والسباع بأيدى السباعين في رؤوسها وأعناقها السلاسل والأغلال، ورأي البرك من الماء فيها مجالس للخليفة بألوانها وصورها وجمالها وأخرى من الرَّصاص القلعيّ تتوهج في شعاع الشمس كالفضة المجلوة والنخيل من حولها ملبَّسًا بالشبه المذهب وأشجار الأترجّ عليها الزينة تنفح عطرها وشذاها. والأشجار المصنوعة من الذهب عليها عصافير الفضة تحركها الريح فيخيل إليك من حسنها أنها أشجار حية. وتخرج إلى أسواق بغداد يفوح طيبها ومسكها ومندلها وبخورها وصندلها ويتلألأ الذهب والفضة في نواحيها وأرجائها والنساء والقيان والمغنيات والشباب والشيوخ والفقر والغني وأهل التصوف ومن كل أمة وجنس من رومها وعربها وفُرسها وسودانها وحبشها وظرف أهل بغداد وأحاديث مُجانها وخُلعائها وتنادر ظرفائها، والأعرابي في صوفهِ والحضري في خزهِ وحريرهِ، والنعال السبتية بأصواتها وألوانها ويسمع من وراء الجدران ألحان الجوارى وهن يتغنينَ في بيوتهن ويضربنَ بالدف والعود والمزهر والناي، وليل بغداد والسمر والغناء والموسيقى والمساجد والأذان وأصوات التكبير ودويُّ قرَّاء القرآن في جوانبها ومواعظ الوعاظ وبكاء الناس من هول يوم القيامة وأهل الحديث والمعتزلة والفقهاء والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. . . إلى غير ذلك مما يطول ذكره ولا يفرغُ منهُ. والذي ذكرنا هو من أحوال الإجتماع