للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والصحف، وعسير عليه أن يلتمسه فيهما مع تباعد أزمانهما وندرة توافرهما في المكتبات. وسوف تُسْدِي إلى أُمَّتنا يدا لا تُنْسَى إذا جُمِعَت هذه المقالات في كتاب. فارتد إلى صمته فجأة، وتجهم وجهه شيئًا، ونحا ببصره إلى قِطْع من الليل جاثم من عن يمينه نحو رواق طويل تقوم رفوف الكتب على جانبيه، وأطال النظر في جوفه، ثم قال بهدوء، كهدوء البحر قبل العاصفة، في صوت يضطرب بعضه في بعض اضطراب الموج في تياره "أنا لا أحب أن أعيد نَشْر شيء كتبته وقرأه الناس قبلُ في مجلة أو صحيفة" (١). وقد اعتدت ألا أعاود الأستاذ شاكر في شيء يعزف عن الكلام فيه، فسكتَّ مُكْرَها، وكدت أُذكِّره بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "مَن سُئِل عمَّا يَعْلَمُه فكتَمَه أَلْجَمَه الله بلجام من نار يوم القيامة"، ولكني هبت أن أجْبهه بمثل هذا الكلام، وكدت أَفُوه بحديث آخر أَسْتَلِينه به: "زكاةُ العِلْم نَشْرُه"، ولكني أمسكتُ. ثم مضت ثلاث سنوات. وفي أواخر عام ١٩٦٤ بدأ لويس عوض نشر سلسلة من المقالات بعنوان "على هامش الغفران: شيء من التاريخ"، فتصدَّى له الأستاذ شاكر يُفَنِّد مزاعمه ويُبِين عن الدوافع الحقيقية من وراء هذه المقالات. ونَشَرَ أول هذه الردود في مجلة الرسالة، العدد ١٠٨٩ في ٢٦ نوفمبر ١٩٦٤ (رجب ١٣٨٤). فانبعث في نفسي أملي القديم، ولكني سترته إلى حين -تحت رجاء ما ظننتُ الأستاذ شاكر يستطيع ردَّه هذه المرة بنفس الصرامة التي قابل بها رجائي السابق.

قلت له: إني أظن ظنًا أشبه باليقين أن لويس عوض سوف ينشر مقالاته هذه في كتاب وسيكون بأيدي الناس في هذا الزمان ومستقبل الأيام إلى ما شاء الله (٢)، فإن لم تفعل كما سيفعل، فسوف ينتشر هذا العلم الفاسد الَّذي ضمنه كتابه بين


(١) وهذا شيء كنت أعلمه عن الأستاذ شاكر، وبالغ في ذلك حتَّى أنَّه كان يكره أن يستشهد بكلام كتبه من قبل. يقول مخاطبًا محمد رجب البيومي "وأنا أكره أن أنقل كلامًا لي من مكان، ولكنك استكرهتني على نقله". وانظر مقال "ذو العقل يشقى"، مجلة الرسالة، العدد ٩٧٤، سنة ١٩٥٢، ص: ٢٤٥، والمقالات ١: ٥٧٤.
(٢) وقد صدق حدسي، فقد نشر لويس عوض مقالاته في "كتاب الهلال"، العدد ١٨١، إبريل ١٩٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>