للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التمدن الإسلامي لزيدان والكندى وابن الشحنة في روضة المناظر وقليل غير ذلك من كتب الأدب. هذا فلو نظرت إلى كتاب (فتح العرب لمصر) الذي ألّفه الأعجميّ الدكتور (بتلَرْ) الإنكليزي لوجدته يعتمد في تاريخ حِقْبَة من الزمن لا تبلغ خمس سنوات على عشرين ومائة كتاب في التاريخ ثلثها من كتب التاريخ العربي والبقية من كتب الأمم في التاريخ. فلو أن (بتلر) أراد أن يكتب تاريخ مصر الإسلامية من سنة ٢٠ لسنة ٢٥٤ لاعتمد على أضعاف هذا من كتب التاريخ. وذلك لأن التاريخ لا يكون شيئًا إلا إذا حشدت له المادة العظيمة ونظرت فيها بالنظر الصائب، وربَّ كلمة شاردة في ذيل ورقة تفتحُ للمؤرخ بابًا من الفهم يجعل الغامض واضحًا بيّنًا والمتباعد قريبًا دانيًا وتصل بين حافتى هوَّة في التاريخ فتمكن المؤرخ من اجتيازها.

هذا أمر المادة التاريخية نفسها، فلننظر ماذا فعل المؤرخ بالمادة التاريخية القليلة التي اجتمعت له حين ألف كتابه. عَمِدَ المؤلف إلى هذه المادة القليلة التي لا يستقيم بها تاريخ فقرأها وأراد أن يتفهمها فأخطأ في كثير وأصاب في قليل وقرَّ ذلك في نفسه، ثم أوّل بعض هذه المادة تأويلا لا يقبله عقل ولا تاريخ حتى يستطيع -كما يقول- "أن ينشيء -حقيقة- في أحضان قومه روحا مصرية بحتة -لا عربية ولا تركية، لا يهودية ولا مسيحية ولا إسلامية-"، فلذلك سَخِرَ بالعرب وساق الرواية العربية القوية في أسلوب من السَّخَر بالعرب والإزراء عليهم والغض منهم ومن أفذاذ رجال الفتح. وأنت إذا قرأت الفصل الذي سماه "كيف فتح العرب مصر" لم تجد فيه حقيقة غير هذه حين يذكر "عبادة بن الصامت" - رضي الله عنه - حين بعثه عمرو على رأس النفر العشرة إلى المقوقس فتقدم عبادة وكان عبادة أسود ضخما من الرجال فهابه المقوقس لسواده "وقال: نحُّوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمنى، فقالوا جميعًا، إنهُ أفضلنا رأيًا وعلمًا وخيرنا والمقدَّم علينا وإنما نرجع جميعًا إلى قوله ورأيه". فيقول المؤلف تعقيبًا على هذا.

"ولسنا ندري من أين أتى عبادة بن الصامت العلم! ! ". . . ونحن والله