لا ندري أيضا، ولا نعلم إلّا ممن شهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان له من الرأي ما أجلَّه به قومه، بلى وأنه رجل من أفذاذ الأمة التي أشرقت بنورها على الأرض فأخرجت الناس من الظلمات إلى النور. ولسنا ندري لماذا ينكر صاحبنا العلم على عبادة، وهم لم يقولوا أنه أعلم العالمين بل قالوا هو أفضلنا رأيًا وعلمًا وهم أدري بأنفسهم منا بها. وقد كانوا رحمهم الله يقدّرون أنفسهم قدرها فيقدّم الرجل الشريف العبدَ الحبشى العالِمَ على نفسه وأهله، وما كان فيهم من يتصدر ليقول عن نفسه أنهُ أكبر عالِم أو أتقى رجل أو أفضل مخلوق أو أوّل مؤرخ لمصر جدير بهذا الاسم. وقد أطلت ليعلم القارئ كيف يطمس الهوى على قلوب الناس إذا حرفوا العلم أو التاريخ بأعنته، والهوى -كما قال ابن عباس - رضي الله عنه - - إله معبود. . . والكتاب كله على هذا النمط من الإزراء على العرب والعبث بالإسلام، وما يريد المؤلف من كل هذا إلَّا إنشاء روح مصرية لا عربية ولا إسلامية كما يزعم، لا تقرير الحقيقة التي يجب على كلِّ إنسان أن يطلبها أنَّى كانت، والمؤلف نفسه في حيرة من العرب والإسلام وتغلغل كل منهما في مصر فتراه أحيانًا يدور حول نفسه يريد المخرج ولا مخرج حتى أنهُ لم يستطع أن يمحو ذكر الإسلام -والعرب- فيما سمّى بهِ كتابه فألقى عليه هذا العنوان الذي يتبرأ مما تحته. . . . "تاريخ مصر الإسلامية".
ولنفتح في الكتاب أي صفحة يكون من نصيبها التمزيق، بسم الله، فهذه ص ١٨٠ يقول المؤلف في رأسها أن ابن عباس روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنَّما ضلَّ من كان قبلكم بالكتابة"، وأطال الكلام بعد ذلك على هذا الحديث الذي لا نشك في وضعه حتى قال "وأهملوا -يعني العرب- تدوين كل ما جادت به قرائحهم في بابي الشعر والخطابة ذاتها لتفضيلهم الحفظ على التدوين، بل أهملوا تدوين العلم الإنساني البحت عينه -على قلته- (كذا وتأمل) وقضوا قرنهم الأول وبعض الثاني (كذا قال المؤلف) وهم يتناقلونه بالتلقين، ولم يدوّنوا القرآن نفسه بعد أن أحجم أبو بكر مدة عن ذلك قائلا "كيف أفعل أمرا لم يفعله رسول الله، ولم يعهد إلينا فيه عهدًا". . . إلَّا لما خافوا أن تذهب الحروب والفتوحات بحفَّاظه فيضيع" انتهى.