ولا ندري هل يعلم المؤلف أن من الصحابة ناسًا يسمون "كتَّاب الوحي" كانوا يكتبون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يوحى من القرآن لرسول قد فادى أسري يوم بدر، فكان شرط مَن لا مال عندهُ أن يعلّم عشرة من الغلمان الكتابة. قالوا فيومئذٍ تعلَّم الكتابة زيد بن ثابت كاتب الوحي وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر عبد الله بن سعيد بن العاص أن يعلّم الناس الكتابة بالمدينة، وأنهُ قد ورد في الاستيعاب لابن عبد البر والإصابة لابن حجر أن الشَفَّاء أم سليمان بن أبي حثمة علمت حفصة (وهي زوجه) الكتابة وقال لها "علمي حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة". وإن القرآن كان مكتوبًا جميعهُ على عهد الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - كتبه له كتّاب الوحي وكتبه لنفسه من كان يحسن يكتب من الصحابة وهم كثير، وإن قول أبي بكر "أفعل أمرًا لم يفعله رسول الله" إنما هو عن جمعه بين دفتين أعني في كتاب أو مجلة كما يقولون وليس ذلك لأن أبا بكر كان يعاف الكتابة والتدوين. وتأويل ذلك أن أبا بكر لما عافت نفسه ما قال بهِ من جمع القرآن دعا زيد بن ثابت وقال له (نرويه من حديث زيد بن ثابت)"إن هذا -يعني عمر- قد دعانى إلى أمر فأبيت عليهِ وأنت كاتب الوحي فإن تكن معهُ اتَّبَعْتكما وأن توافقنى لا أفعل. فاقتصَّ أبو بكر قول عمر وعمر ساكت، فنفرتُ من ذلك وقلت يفعل ما لم يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال عمر كلمة: وما عليكما لو فعلتما ذلك؟ فذهبنا ننظر فقلنا لا شيء والله ما علينا في ذلك شيء. قال زيد فأمر أبو بكر فكتبته من قطع الآدم وكسر الأكتاف والعُسُب". وهل يعلم المؤلف أن هناك مصاحف تنسب إلى أصحابها من الصحابة كابن مسعود ومصحف أُبي ومصحف زيد كانت مكتوبة على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعرضها أصحابها العرضة الأخيرة عليه قبل أن يلحق بالرفيق الأعلى - صلى الله عليه وسلم -.
هذه صفحة لم نعمد إليها من الكتاب وها أنت تراها كيف مزّقت شرَّ ممزّق وذريت قطعها في الهواء. وهذه المجلة لا تتسع في هذا الباب لأكثر من هذا ولكن ليكن القارئ على يقين من أن كلَّ ورقةٍ من هذا الكتاب هي هذه الورقة الممزّقة. ولله الأمر من قبل ومن بعد.