للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك، فهو أمر قد فرغ من الحكم فيه صاحبنا الشعبيّ. وما كان قصدي إلا أن الذي كتبت أنت عن الرافعي الذي مات وسكت، والعقاد الذي بقى يتكلم، بل عنهما معًا في قران واحد، هو ثَلب للموتى وزُلفى للأحياء. وحق لي أن أقول ذلك فقد جمعتَ بين الرجلين، فوضعتَ الميت موضعًا لا يتنزل إليه حيٌّ في الضعة، ورفعت الحي مكانًا لا يسمو إليه أحد في الرفعة، وضربت الكلام من هنا ومن هنا حتى استبان الغرض ..

أيريد (الأخصائي! ) الفاضل أن نبين له موضع الإشارة في كلامنا هذا. . . .؟ إذن فليسمع.

حين قرأت الكلمة الأولى من حديثه في الرسالة، لم أشك ساعة أنه يختدع القارئ عن نفسه يبتغي أن يُفهمه أنه يريد النقد، والنقد حسب، ولا شيء غير النقد! وألح في ذلك إلحاح الظنين (١) في الإكثار مما ينفي الظِّنُّة عنه، غافلا عن أن تكلف نفي التهمة بالإلحاح يثير الشك ويوقظ الريبة في نفس من أراد الله له الخير. . . . ثم يشرع الأستاذ (الأخصائي في اللغة التي نعبر بها) يأتي بالشواهد من كلام الرافعي في نقد (وحي الأربعين للعقاد) ليثبت صدق ما ذهب إليه من الآراء في الرافعي. كان يشك في "إنسانية" الرافعي، ويزعم أنه خواء من النفس.

ثم قرأ ما كتب الأستاذ سعيد العريان فعدّل حكمه قليلا! ولم يعد يستشعر البغض والكراهية للرجل وأدبه، ولكن بقى الأساس سليما. . . . فما هو؟

كان ينكر على الرافعي "الإنسانية" فأصبح ينكر عليه "الطبع".

وكان لا يجد عنده "الأدب الفني" فأصبح لا يجد عنده "الأدب النفسي".

وكان الرافعي ذكيًّا قوي الذهن، ولكنه مغلق من ناحية الطبع والأريحية.

والرافعي أديب الذهن الوضاء، والذكاء اللماع!

والرافعي مغلق القلب متفتح العقل وحده للفتات والومضات. وهذا في المقالة الأولى، ثم نزل درجة بالرافعي في الكلمة التانية، ثم لم يكد يرمي الثالثة حتى زعم أنه حين عاد بعد ذلك فقرأ رسائل الأحزان أحس أنه (خُدع! ) في


(١) الظنين: المتهم.