للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قياس ذكاء الرافعي! ومعرفة طبيعته ودرجته! ولكنه يحس الغضاضة في هذا التراجع فيعزّيه "الصدق"! الذي يعبر عنه حين ينصت لإحساسه ويصور حقيقة رأيه. . . . وتأويل ذلك عنده في مقاله الثالث أنه أخطأ في عدم! تحديد (الذهن). . . . فمن الذهن ما هو سليم أو مريض، وما هو مشرق أو خابٍ، وما هو متفتح أو مغلق، (أو كما قال). . .

لقد قال في الكلمة الأولى ما رأيت، ثم قال في الثالثة ما رأيت من تراجعه، ولقد كان هذا التراجع في الثالثة مطويًّا تحت الكلمات في الأولى وفهمناه وأدركناه، وكان آخر الرأيين هو الغرض الذي يسعى إليه. وإلا فما أظن أحدًا يستطيع أن يعقل أن (ناقدًا) قد فرض على نفسه النقد -أي التتبع والاستيعاب وصدق النظر- يصف رجلا "بالذهن الوضاء" "والذكاء اللماع" والقوة في الذهن، والتفتح في العقل، ثم لا تمضي عشرة أيام. . . . فيقرأ أحد كتب هذا الرجل، فيعود يقول في صفته إن ذهنه مريض غير سليم، "خاب غير مشرق"، "مغلق غير متفتح".

أيريد الأستاذ (الأخصائي في اللغة التي نعبر بها) بيانًا هو أوضح من هذا على سوء غرضِه .. ؟ الناقد رجل عَدل مُنصِف لا يزال يتتبع شوارد اللفظ، وأوابد المعاني يستنبئها أخبار أصحابها ويستنبط من قلوبها أسرار كتابها، ويكشف عنها خبيئة قائليها .. ، ثم يحكم مميزًا مقدرا لا يجورُ فيتجاوز الغاية، ولا يحيف فيقعُ دون المدى. وقد حكم هذا (الأخصائيُّ! ! ) في كلمته الأولى حكمه الأول حين (استطاع أن يكون ناقدًا، لا يكتفي بالتذوق والاستحسان أو الاستهجان، ولكن يعلل ما يحس ويحلّله)! ! كما قال في بدء كلامه.

أو ليس يقتضي هذا -على الأقل- أن يكون قرأ كل ما طُبع من كتب الرافعي دون ما تفرق من كلامه في الجرائد والمجلات على كثرتها .. ؟ بلى.

أو ليس يقتضي هذا -على الأقل أيضًا (أن يكون حين حُكمه قد استردَّ شتات ما بقى في نفسه من آثار كلام الرافعي فيها؟ قالوا بلى.

أو ليس يقتضي حق النقد والحكم -على الأقل أيضًا- ألا يصفَ الرافعي بالذكاء اللماع، والذهن الوضاء. . . . وهذا الكلام المفخم -إلا أن يكون ذلك من آثار ما قرأ له من شيء. . . .؟ قالوا بلى.