إذن فكيف -في عشرة أيام يا سيدي- يستطيع كتاب واحد للرافعي هو "رسائل الأحزان" أن يقلب -هذا (الأخصائي في اللغة التي نعبر بها)، وهذا الذي (استطاع! ! أن يكون ناقدا) -رأسا على عقب، فلا يكتفي بسلب النعوت المفخمة (كالوضاءِ واللماع والمتفتِّح) فيترك الذهن هكذا مجردا، بل يضع مكانها أضدادها فيجعله ذهنا (مريضًا خابيًا غير لمّاع ولا وضاء، مغلقًا غير متفتح".
هآه. . . . إني لأشك كل الشك في براءة الأستاذ مما غاظه من كلمتي الأولى مما سماه (شتائم). ولقد شهدت مرة أخرى "أن ما بالأستاذ قطب النقد، ولا به الأدب، ولا به تقدير أدب العقاد وشعره، فما هو إلا الإنسان وجه يكشفه النور ويشف عما به، وباطن قد انطوى على ظلمائه فما ينفذ إلى غيبه إلا علم الله". ولا زلت أقول له: "إنه لو عاد إلى داره مخلى من حوافز الحياة الدنيا" فقرأ ما كتب قراءة الناقد لوجد الاختلاط في لفظه بينًا، والغرض من ورائها متكشفًا. ولو شئنا أن نقول لقلنا فلم نكذب: إن كلامه لمشترك بين ضربين من العقل أحدهما ظاهره نعرفه ولا ننكره لأنه مما عهدناه زمانًا، والآخر ظاهر أيضًا. . . نعرفه وننكره، لأنه مما استحدث الرافعي رحمة الله عليه.
وأما الأديب الكبير! الّذي لقى الأستاذ (الأخصائي في اللغة التي نعبر بها) فضرب لنا الأمثال "بالجماعة الذين يجلسون في المأتم ويرجمون الناس بالحجارة. فإذا رجمهم الناس صاحوا وولولوا، وملأوا الدنيا تسخطًا ونعيًا على الأخلاق، لأن الناس لا يقدرون حرمة المأتم، وهم الذين استهانوا بهذه الحرمة حينما رجموا المارة". فإن شاء أن يختفي في ألفاظ الأستاذ (الأخصائي! ) فهو عتيق جُبنه، وإن شاء أن يظهر من ورائه فسيرى كيف عرفناه من لفظه ومن أمثاله.
وأيما كان. . . . فالمثل فاسد من وجوهه كلها. . . . فإن الأستاذ سعيد حين كتب لم يرجم أحدًا، وإنما كتب تاريخًا، وحين قال إن رد العقاد على الرافعي سباب وشتائم، فهو لم يكن إلا كذلك، ولا يمكن أن يقال فيه إلا ذلك. . . . إذ ليس فيه شيء مما يسوغ أن يعد ردًّا أو نقدًا. . . . حتى ولا على طريقة الأستاذ (الأخصائي! ) في حل المنظوم ووصفه بالدعابة والطرافة والحيوية. . . وما إلى ذلك من اللفظ الذي لا يتخذه ناقد إلا بعد الإبانة عن محجته وسبيله. أو كما قال