أما قول صاحب الكتاب أن مؤرخى الإسلام اتفقوا على أن العرب لم يكن لهم وجود سياسي أو أدبى قبل النبوة فهذا قول مرسل لا حد له، وهو كلام لم يقل بهِ أحد من العلماء وإنما كانوا يعنون بما يصفون بهِ العرب من الجهل والضلال ما يتصل بأمر الدين والتوحيد وإلَّا فإنهم قد استشهدوا في تفسير القرآن نفسه بنوع من كلام العرب وهو الشعر. أما المسألة السياسية والكتلة الدولية فإنهم يعنون بذلك أن لم تكن أمة متآزرة ذات حكم واحد وسيادة متصلة من أعلى الجزيرة إلى أسفلها بل كانت قبائل متنازعة يأكل بعضها بعضا حتى جاء أمر الله ونزل القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون مبشرًا ونذيرًا وهاديًا إلى الله بأمره وسراجًا منيرًا فألّف بين قلوبهم وأصبحوا بنعمته إخوانا وقاتلوا في سبيل الله حتى فتحوا الأرض واستولوا على ملك كسرى وقيصر. وليس في هذا موضع للجدال. . . ولا اتفاق -كما يقول صاحب الكتاب- يرجع إلى أن مؤرخى الإسلام يقولون ذلك تأييدًا لنزعة دينية يراد بها إثبات أن الإسلام هو الذي خلق العرب خلفا وأنشأهم إنشاءً فأخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن العدم إلى الوجود. . . هذا على أن القرآن قد أخرج العرب حقيقة من الظلمات إلى النور.
ثم إن المؤلف أراد بعد ذلك أن يجعل القرآن أثرًا جاهليًّا "فإنه -نسأل الله المغفرة- من صور العصر الجاهلى، إذ جاء بلغته وتصوراته وتقاليده وتعابيره" ص ٣٨ فلو كان ذلك كذلك فما فعل القرآن بالعرب حتى أخرجهم من الظلمات إلى النور وكيف يجئ ما هو من عند الله مطابقًا لتصورات العرب وتقاليدهم على ما فيها من الطبيعة البشرية الضعيفة الهالكة الجاهلة. وهذا القرآن الذي يعدهُ صاحب الكتاب أثرًا جاهليًّا هو الكتاب نفسه الذي أعجز عرب الجاهلية جميعًا وتحداهم وطالبهم وسخر منهم ووضع من آلهتهم وحقرها وأثار أحقادهم وأضغانهم. ولو كان هذا القرآن قريبًا من كلامهم أو شبيهًا بهِ لما عجز بعض بلغائهم عن الإتيان بمثل سورة من سورهِ كما طالبهم بذلك وتحداهم. ونحن لا ننكر أن كل ما في القرآن من لفظ إنما هو من ألفاظ العرب كما أن أكثر ألفاظ كتّابنا الآن بل كتّاب القرن الرابع الذي يتكلم عنه صاحبهُ إنما هي ألفاظ عربية،