في هذا الكفاية لمن يريد أن يكون رجلًا عربيًّا من نسل ذلك الشعب العجيب الذي بدّد جيوش الأمم الطاغية في أول أمر الإسلام، وأنشأ على أنقاضها اجتماعًا إسلاميًّا عربيًّا كلهُ محبةٌ وعطفٌ وعدلٌ. وفي هذا الكفاية وفوق الكفاية للذين يتولون أمر التعليم في الأمم العربية ليهبّوا من غفلتهم، وينظروا إلى ما يحاط بهِ مجدهم من كيدٍ وقتالٍ.
إن العار أن يقضي الشاب من أول نشأته إلى آخر خروجه من دراسته -أعوامًا طوالًا يدرس في أثنائها تاريخ نابليون وأمته، وفلانًا وفلانًا من أفذاذ الأمم الغربية، وهو لا يعرف من ماضي أمته العربية إلَّا نتفًا تذهب مع الأيام. هذا الماضي الذي يصوره الذين يتعرضون للتاريخ من مستشرقين يقولون غير ما يعلمون أو يقولون فيما لا يعلمون، أو عربٍ قد فسدت قلوبهم على تاريخهم فهم يستقيدون لآراء عن تاريخهم كلها بهتانٌ وتدليس. هذا الماضي الذي يصورون في صورة مسخٍ تاريخى هائل قد خرج على الدنيا كما يخرج الوباء ثم انقشع عنها فأعقبها صحة وعافية أو كما يقولون! !
إلَّا أن الضلالات التي أحاطت بالتاريخ العربي والإسلامي لهي من أسوإ الضلالات وأشدها وأعصاها على العلاج. فإذا لم يتنبه العرب والمسلمون إلى تاريخهم تنبه المريد إلى ما يريد انماثوا في الأمم ذات الهمم كما ينماث الملح في الماء وأضحوْا بددًا لا يجتمع لهم شمل ولا يؤول آخرهم إلى مجد أول يلوذ به أو يستعصم.
هذا وقد استوقفني من كلام الأستاذ كرد على الذي رويته آنفًا قوله يذكر ". . . ما قام به المسلمون بعد طول الهجعة يلوبون على استعادة مجد أضاعوه، وعلقوا اليوم يقطعون إليه أشواطًا حتى لم يبق أمامهم غير مراحل لبلوغ الغاية"! !
إني لأقرأ هذه الكلمات فتتمثل لعيني (خريطة) العالم العربي الإسلامي من أقصى الشمال إلى أدنى الجنوب ومن مشرق الشمس إلى مغربها، وأعرض قول الأستاذ على أمةٍ أمةٍ من بلادنا فلا أجد قوله يرتاح إلى واحدة منهنَّ. هذه هي السلاسل وهذه هي القيود، وهذه بعض الأمم تمرح في طول من سلاسل الحديد