للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طرفها بيد المستعمر فيخيل إلى الناظر أن ما بهذه الأمم من المرح والنشاط هو انحلال من السلسلة وما هو به إن هو إلَّا بعض الغفلة التي نحن فيها إلى الأذقان مقحمون. إن الأشواط التي قطعتها هذه الأمم فيما يسمى حضارة أو ثقافة هي غير الأشواط التي يجب أن نقطعها إلى الحضارة والثقافة، وإن السبيل التي مضينا فيها غير السبيل التي فرض علينا سلوكها إن أردنا أن نبلغ غاية يقال لها "لم يبق أمامنا غير مراحل".

أين الأمة الإسلامية العربية التي يريدها الأستاذ على ما فهمنا من فحوى كلامه. . .؟ أين الرجل العربي المسلم الذي يرتفع في الجو كما ترتفع الطائرة التي تحمل أسباب الموت ودلائل الحياة ثم ينقضُ كما تنقضُّ القذيفة من عليائها فلا تذر من شيء إلا أتت عليه فجعلتهُ هشيمًا تذروه الرياح.

إن أمامنا مراحل أولها مهد الطفل العربي الرضيع. وآخرها هذا القبر فاغرًا فاه يلتقم ما تمضغه الحياة من الأبدان العربية ذات السيادة والحضارة والإخلاص والعدل.

فانظر إلى هذا المهد الذي لا يخرج منهُ إلَّا الضعيف والمهزول والأعزل الذي لا سلاح لهُ في الحياة، وهذا الذي ينام على هدَّاتِ الجبال وقصف الرعود وخواطف البروق، وهذا الذي يمشي حيران ليس لهُ هادٍ ولا دليل، وهذا العود الخرِع الجميل الذي يتثنى ويتبرج "تبرُّج الأنثى تصدَّت للذَّكَر" (١) كما يقول ابن الرومى.

ثم انظر إلى هذه المدرسة التي لا يخرج منها إلَّا الأدعياءُ وأشباهُ الأدعياء ممن استودعوا جماجمهم عقولًا غير عقولهم، وأذهانًا غير أذهانهم، وصاروا أتباعَ كل ناعق.

ثم انظر إلى هؤلاءِ وقد ساروا في سبيل الحياة والعمل كما يسيرُ ذوو العاهات


(١) هذا صدر البيت، وتمامه:
تَبَرَّجَتْ بَعْدَ حَياءٍ وخَفَرْ ... تَبَرجَ الأُنْثَى تَصَدَّتْ للذَّكَرْ