للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من طريق الاستفهام. وقد احتفظت بها العربية في وجوه كثيرة أخرى كالتفضيل والتعجب (١) كقولك ما أحسنهُ! ، وهو أكرم من فلان، فإثبات الهمزة والإتيان بها في هذه الأبواب مأخوذ من الأصل الذي أقيم عليهِ معنى الحرف من فطرة الإنسان: فكأنهم أرادوا -بالبدء بها- إظهار المعنى الذي يتحمله صدى الصوت من الاستفهام والتعجب، والتفضيل فرعٌ من تعجبك من الشيء واستكبارك له. وكذلك احتفظت العربية بهذا الحرف في أكثر حروف الاستفهام كقولهم "أين" "أنّى" وما يدانيها كقولهم "أم" كذلك فيما يقارب ذلك من المعاني كما في قولهم "أو".

ويشترك مع الهمزة حرفٌ آخر هو قريب منها، وهو "الهاء"، ففي لغات بعض العرب يقولون في الاستفهام في "أزيد؟ " "هزيد؟ ". وكذلك وقعت هي في "هَلْ؟ " و"هلّا! " وإن كان أكثر موردها على التنبيه والدلالة والإشارة، كما وقعت "في هذا" و"هؤلاء" و"هي"، و"هو" وهذان الحرفان الأخيران، وإن عدَّهما النّحاة من الضمائر وأجروا عليهما أحكامًا، إلَّا أنهما في أصلٍ معناهما للإشارة بغير شك. ولمثل ذلك قال المفسرون في قوله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}. . . . "الضميرُ في منهُ" جارٍ مجرى اسم الإِشارة كأنهُ قيل "عن شيء من ذلك" (٢).

وكذلك جرت العربُ على سُنّة إبدال الهمزة هاء والهاء همزة لتقاربهما في الدلالة كما يقولون في "أراق، وهراق" و"لأنك، ولَهنَّك" وغير ذلك مما لا نريد استقصاءَهُ الآن.


(١) ومن باب ذلك الهمزة في أوائل أوزان جموع التكسير أيضًا في مذهبنا. (شاكر).
(٢) اعلم أننا لا نريد بذكر هذا المثال إلا أن نضرب المثل بأن "الهاء" هي الفطرة للإشارة، ثم استقرت الضمائر بعد ذلك وجرى حكمها في النحو العربي مجرى غير الذي جرى عليه حكم الإشارة، ونحن لا نخلط هنا بين ما هو النحو الآن، وما نتوهمه من المعاني للصدى الصوتى المقارن للحرف. (شاكر)