الأطوار الاجتماعية والعقلية والخلقية واللسانية والمدنية التي مرَّت بالشعب العربي. وهو شعبٌ كما تَعْلم لا يزال محصورًا بين الحدود التي ضربتها عليه الصحراءُ، ولا يزال حيًا على نَمَطٍ من العيش لم يدخله كثير من التبديل، وإن كان قد اختلف بما اندفق إليه من نتاج الحضارات الأخرى التي اختلطت ببعض أمواجه ثمَّ ارتدَّت إليه.
فخذ معني الآن: -الهَمزة والهاء والألفَ. وهي الحروف الحلقية المطلقة التي تُصَوّت حيث تلاقى الهواء ولا يقف في سبيلها، وما ترتطِمُ بهِ من الثنايا أو الأضراس أو الشفة، ولا يعمل معها اللسانُ عملًا في تكوين صداها أو جرسها. واعلم أننا لن نفرق كثيرًا في هذا الذي أردناه بين الهمزة والألف، وأننا سوف نجعل عملهما في العبارة واحدًا، هذا على أن الألف في أصل معناها تخالفُ الهمزةَ من وجوه كثيرة. وليس هذا موضع بيان الفروق بينهما، وأحق بذلك ما نريده إن شاء الله من الكلام عن الواو والياء والألف.
فهل تنكر أن الرجل إذا خاف أو فزع أو رغب أن ينادى أو أن يشير -وهو ناقص الآلة اللغوية- فأول ما يبدأ بهِ أن يقذف الصوت مغسولًا من الحلق بأقصى ما يستطيع، كلا. وإذن فالهمزة الممدودة هي الصَّدى الصوتى الذي يراد بهِ التنبيه والإشارة والنداءُ. وكذلك هو في العربية. فالهمزة في العربية لا تزال تحتفظ بجميع هذه المعاني وما يتشعب منها تقول:"أمحمد" تريد "يا محمد" وإنما تفشى الحرف "يا" في النداء بعد، لأنهُ تسهيلٌ لمجرى الهمزة وتليين لها، ثمَّ انقلب بعدُ حرفًا من الحروف "الشجرية" التي في مفرج الفم كالجيم والشين لأسباب أتت بعد خروج اللغة من الطور الأول، وإلا فإن الأصل الذي لا أشك فيهِ أن الياء أقرب إلى الحروف الحلقية منها إلى الحروف الشجرية، فانطق "آء"، "وياء" تجد صدق ذلك (١).
ثمَّ انظر، فالهمزة حرف للاستفهام كقولك: أأنت؟ ، وهي حرف للتعجب
(١) أما العلة في أن الياء صارت بعد حرفًا من الحروف الشجرية، فسنعرض له كتابنا عن سر العربية إن شاء الله. (شاكر). أقول: انظر ص ٧٢٥، هامش: ١.