للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المفكر فقالوا "الأحيحُ: الغيظُ والضِّغْنُ" وإنما هو في الحقيقة صوتُ الممتلئ غيظًا حين يتفرج بهذا الصوت الذي يصدره من جوفه.

ثم انظر. . .، فإنهم لما أرادوا هذا المعنى نفسه من التأوه والغيظِ والغمُّ اتخذوا "أخّ" والخاء حرف حلقى جافّ غليظٌ يكون معهُ الاستعلاء والترفع والاستبشاع والاشمئزاز، فقول أصحاب اللغة "أخّ": كلمة توجع وتأؤه وغيظ - قول ناقص لا يفضى إلى المعنى الحقيقي، وهو أن المتوجع يبين عن اشمئزازه وشموخه وتقذُّره، ولذلك ما ورد في اللغة أن "الأخ": القذَر، يقول الراجز يذكر سنه وعجزه وضعفه:

وانثنت الرجْلُ فصارت فخا ... وصار وَصل الغانيات أخَّا

أي قذرًا لا يقربهُن، أو لا يَقْرَبنه.

وكذلك ترى أنهم لما راموا التعبير في الأول أقاموا له "الحاء" للبُحَّة التي فيها، وهي لينٌ ونعومة، وهي قابلة للدوران مع الهمزة في التكرار، لأن الذي ينطقها يريد معها أن يكررها ويتلوَّى معها، ويعكس لها أضلاعه لما يقاسيه من الألم أو الغيظ، والخاء لجفوته وانقطاعه في غار الحنك واستعلائه لا يطيع على مثل ذلك، بل أكثر عبارته المقترنة بهِ هي في الوجه والشفتين، والألف ترفع من بعضها وتخفض من بعض.

ولكنهم لما أرادوا العبارة عن التوجع مع اللين والضَّعْف والفَتْرة التي تلحق المتأسف المكسور النفس بغير إضمار للحقد والغيظ كما في "أحَّ، وأخَّ" قالوا "أَهْ" و"أَهَّ" و"آهٌ". وهذا إشارة إلى تعب النفس. واجتماع هذين الحرفين السائلين المطلقين المغسولين الضعيفين هو تمثيل لحركة التوجّع من إرسال النفس بريئًا مع انهزام خصر المتوجع وانثناء صدره واستسلامه للضعف واسترخاء أعضائه وتكسر أجفانه على عينيه.

وقالوا أيضًا من ذلك ما يكون في الجيش من الأصوات للنداء والإيقاظ والتنبيه والتوجع والإشارة وتداخل الأصوات بعضها في بعض وزجر الإبل وما إلى ذلك "آءَ"، يقول الشاعر: