الإنشائية من أيام عبد الحميد إلى الوقت الحاضر فإذا هي تجري على ثلاثة أساليب رئيسية:
(١) الأسلوب المتوازن (أي المزدوج غير المسجع) ويدخل فيه ترسل عبد الحميد والجاحظ وأضرابهما.
(٢) الأسلوب المسجع - ويتناول الرسائل الديوانية والأدبية والمقامات وما إلى ذلك.
(٣) الأسلوب المطلق - وهو النثر السائد في الكتب العلمية والتاريخية والاجتماعية قديما وأسلوب الإنشاء العام في العصر الحديث". وقد تناول المؤلف الأسلوبين الأولين في هذا الجزء وأبقى الثالث للجزء الثاني من كتابه .. هذه صفة الكتاب رويناها للقارئ عن مؤلف الكتاب.
وأنا حين أقرأ كتابا أنظر إلى نهج صاحبه في تأليفه فإذا رأيت له نهجا يخالف ما درج عليه الناس في التأليف أخذته بنهجه حتى أخرج لنفسي خطأ النهج أو صوابه، فإذا اضطرب نهجه عدلت عنه إلى أغراضه، فإذا استوت أغراضه أخذته بها ونظرت إلى غرض غرض منها معدلا بين أوزانها حتى يخلص لي الأصل الذي خرجت عليه أو الأرض التي نبتت فيها، فإذا اضطرب ذلك أخذته بآرائه في مفردات علمه واحدة واحدة حتى يخلص بي إلى أحد أمريه غير مظلوم ولا ظالم.
فلما قرأت هذا الكتاب لم يقع لي إلا أن آخذ الأستاذ أنيس المقدسى بآرائه في مفردات علمه غير متعرض لنهجه أو أغراضه في كتابه هذا. فمن أول ذلك كلامه عن السجع ومقارنة سجع الجاهلية بآيات القرآن فإن المؤلف لم يأت فيه إلا بالشبه التي تورط فيها الناس من قديم إلى يومنا هذا كقولهم في تحريم السجع لما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الغرة وقوله للرجل الذي قال "أَأَدِى من لا شَرِبَ ولا أَكَل ولا صاح فاسْتَهَلّ، ومثل ذلك يُطَلّ" فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - "أسجْعًا كسجع الكهان". ثم جاء الجاحظ بعد ذلك ووضع علة لتحريم السجع: إن الكهان كانوا يتكهنون ويحكمون بالأسجاع، فوقع النهي في ذلك