للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقرب عهد العرب بالجاهلية ولبقيتها في صدور كثير منهم، فلما زالت العلة هذه زال التحريم.

وكنت أحسب أن المؤلف سينظر في خصائص سجع الكهان نفسه ليستخرج منه الفرق بينه وبين السجع المعروف عن البلغاء ثم بينه وبين القرآن فإن هذا هو موضع الفصل في الكلام الذي دار حول السجع وهو موضع التحقيق في العلم المروي الذي وقع إلينا ولم نحقق فيه إلا القليل. وأكتفي هنا بأن أقول أن سجع الكهان اسم لما وقع في ألفاظ الكهان على صورة صامتة وهو غير السجع الذي عرفه علماء البلاغة ووضعوا له الحدود والرسوم وسنفرد لهذا البحث كلمة خاصة في المقتطف إن شاء الله.

ومن عجيب ما وقع للمؤلف في هذا الفصل قوله "ص ٥" ويؤيد ما يراه من شيوع السجع في تلك الحلقات (الدينية في الجاهلية) أن التنزيل القرآني على تعاليه عن أقوال العرب وكهانهم لم يخرج عن الأسلوب الذي عرفه الناس يومئذ". كيف يتفق للمؤلف أن يقول أن القرآن (لم يخرج عن هذا الأسلوب) وهو لا يعرف هذا الأسلوب ولم يحط بخصائصه. أيحسب الأستاذ أن الأسلوب هو الكلام المرصوف، وأن الخصائص هي انتهاء كل جملة من هذا الكلام بلفظين متقاربين في الجرس متفقين في القافية. . . إنه لا يقول هذه الجملة إلا من وقع إليه سجع الكهان في "حلقاتهم الدينية" كما يقول فدرسه وميزه وحده، ووضع له مطلعا ومقطعا وغرضا، ثم درس القرآن وعرف مثل ذلك فيه وقارن ثم ألقى ووضع وأخذ ورد ونفى وأثبت. كيف يقول المؤلف ذلك وهو الذي يقول في ص ٤ "ولا يجوز علميا أن نتكل على روايتها فقط (أي أسجاع الكهان) في الحكم على ما كان عليه هذا النثر". وقد أتى المؤلف في ص ٦ بما يدل على بطلان الأصل الذي يبنى عليه كلامه هذا من معنى السجع، فقد نقل عن الجاحظ "وقد كانت الخطباء تتكلم عند الخلفاء الراشدين فيكون في الخطب أسجاع كثيرة فلم ينهوا أحدا منهم". فهذا دليل على أن سجع الكهان غير السجع الذي يقع في كلام الناس أو يتعمدونه للزخرف والزينة، ولولا ذلك لكان الخلفاء