للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الراشدون قد نهوا عن ذلك كما يقول الجاحظ. فلو أن المؤلف وقف قليلا عند هذه الكلمة لتبين له أن كلمة السجع قد وقع في معناها الخلط والخبط بين أقوال الكهان والكلام المزور المزوق بالقافية الموسيقية، ولاجتهد بعد ذلك أن يفرق بين معنى الكلمة عند علماء البلاغة ومعناها الذي وردت له في قولهم (سجع الكهان)، ولوجد أن مقارنة سجع الكهان بالتنزيل القرآنى كما يسميه من أعظم الخلط بين المتضادين. والذي أوقع المؤلف في هذا أنه حسب أن أهل الجاهلية الذين قالوا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه كاهن إنما قارنوا بين سجع كهانهم وبين سجع السور المكية الأولى كما قال في ص ٥. ولو أن أهل الجاهلية قالوا ذلك لهذا المعنى ومن جراء هذه المقارنة لما كانوا أهلا لتنزيل قرآن عليهم، ولما كان هذا القرآن معجزا لأنه إنما أعجزهم ببلاغته وأسراره والذي يحكم في صور الألفاظ لا يكون بليغا أبدًا ولا يدرك أبدًا سرًّا من أسرار الكلام فهو عاجز من أصل طبيعته لا من أن الكلام بليغ أو معجز وبذلك يسقط الإِعجاز كله ولا يبقى معنى لإيمانهم بما جاء فيه ولا بمن جاء به.

وندع كلامه كله عن القرآن فأكثره مما لا يقف عنده إلا من أراد أن يكشف عن أوهامه وَهْمًا فوَهْمًا مفصلا لأخطائه أو مبينا لمواضع السقط فيه. ويأخذ في كلامه عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا الباب من الكتاب مملوء بكل عجيبة من الرأي، وفيه من التناقض كثير مما يدل على أن المؤلف لم يدرس هذا الموضوع دراسة من يريد أن يعلم ثم يحقق ثم يكتب خلاصة ما ثبت عنده أو رجح لديه.

ومن عجيب أمره أنه بعد ما جعل السجع من أسلوب الجاهلية وردَّ القرآن إليه في موضع من الباب الأول، عاد فذكر في ص ٧٣ أن من مزايا الحديث أو نثر صدر الإسلام -البساطة- وفسرها بقوله أنها البعد عن تكلف السجع أو البديع وكيف يكون ذلك في الحديث ولا يكون في القرآن. هذا من العجب فإن الذي أنزل عليه هذا القرآن هو هو الذي تكلم بهذا الحديث، وهو هو الرسول الذي يريد أن يؤثر كلامه في الناس. فلو أن السجع الذي في القرآن كان للتأثير والإيهام كما