للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون سجع الكهان لكان ذلك أولى بصاحب هذا الكتاب في حديثه أن يتخذه من مادة تأثيره على الناس.

ثم أنه في ص ٥٠ بدأ كلاما عن وضع الأحاديث -يعلم الله أنه كلام مُتلقَّف من أفواه قوم خبرناهم عهدًا طويلا، وفيه من التحريف شيء كثير. وللدلالة على ذلك نجد المؤلف يروى عن صحيح مسلم قول ابن القطان "لم تر أهل الخبر في شيء أكذب منهم في الحديث". وجعل الخبر بالباء الموحدة وسط اللفظ، ويريد بذلك أن يوهم الناس أنهم أهل الحديث. والحديثُ في مسلم "أهل الخير" بالياء المثناة، وفي رواية "لم نر الصالحين"، وفسر مسلم بعد هذا الحديث موضع الإشكال في أن الصالحين يكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم هم الصالحون. فقال: "قال مسلم: يقول يجرى الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب"، وتأويل ذلك أن أهل الصلاح والتقوى الذين يصرفون أنفسهم عن أمور الناس ولا يبحثون عن أحوالهم من صدق وكذب وتدليس وكذا وكذا إلى آخر النقائص يحسبون أن الناس لا يجترئون على رسول الله بالكذب إذا حدثوهم عنه فيتلقَّوْن ما يسمعون بالتسليم ثم يَرُوون ما يسمعون لما فيهم من سلامة الصدر عن الخبث، ولذلك يجرى الكذب على ألسنتهم ولا يتعمدونه. ولذلك يردّ أصحاب الحديث قوما من كبار الصالحين ويقولون عنهم حين يذكرونهم "كان في فلان غفلة"، فهذا هو المراد.

ومما يدل على أن المؤلف لم يتثبت من كلامه في هذا الباب كله أنه قال في ص ٦٦ في عرض كلامه عن رد أحاديث من الصحيحين لا تثبت عنده لعلل زعم أنه اهتدى إليها وحده فردَّها، لذلك قال المؤلف حفظه الله "آية المنافق بغض الأنصار -آية المنافق حب الأنصار" وهما (يعني الحديثين كما يزعم) مع تناقضهما من المتفق عليهما في الصحيحين والإغضاء عن مثلهما أَوْلَى، أولًا: لما فيهما من دعاية حزبية، ثانيا: لتناقضهما". انتهى كلام الأستاذ والعجب لمن ينقل عن كتابين طبعا ثم طُبِعا ثم طبعا حتى امتلأت بما طُبع منهما بيوت المسلمين وغير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ثم يخطئ في النقل ثم