للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}.

والأخرى في سورة الحاقة {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

ومن أسباب نزول هاتين الآيتين أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونَفَرٌ من قريش، وكان ذا سِنّ فيهم وقد حضر الموسم فقال: إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم فأجمعوا فيه رأيا واحدًا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ويردّ قول بعضكم بعضا. فقيل يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأيا نقوم به. فقال: بل أنتم. فقالوا نقول مجنون! فقال ما هو بمجنون، ولقد رأيت الجنون وعرفناه فما هو بخَنْقَه ولا تَخالُجِه (١) ولا وَسْوسته، فَقُولوا أَسْمَعْ. فقالوا: نقول كاهن! فقال ما هو بكاهن، رأيت الكهّان فما هو بِزَمْزَمة (٢) الكهان. فقالوا: نقول شاعر. . . إلخ وسنعود بعد إلى تفسير هاتين الآيتين مع هذا الحديث.

فذِكْر الكاهن في القرآن ليس مما يقيم لأستاذنا أبقاه الله حجة فيما يدعيه من أن هذا الاتهام مبني على ما رأوه من الشبه بين أسلوب كُهَّانهم وأسلوب السور الأولى من القرآن. وليتدبر الأستاذ هذا الموضع فضل تدبر فإنا لن نفسره له إلا بعد أن يقر بأوهامه التي ذكرناها ويقيننا أن القراء قد فهموا الآن موضع التفسير الصحيح لمسألة الكهانة.

أما سجع الكهان فموجز الرأي فيه عندنا أنه هو طريقة الكهان في الإخبار بالغيوب ثم زَمْزَمَتُهم عليها ثم الاستعانة على إيقاع التأثير على السامع في زمزمتهم بالاتزان والتعديل الذي وضعوه لكلامهم. وفي هذه الكلمة الكفاية بعد، ونتم


(١) تخلّج المجنون في مشيته: تجاذب يمينا وشمالا، أي تمايل.
(٢) الزمزمة: صوت خفيّ لا يكاد يُفْهَم.