للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا صح ذلك واستطاع الأستاذ أن يأتينا بالدليل فليبين لنا أيضا كيف كان الكاهن هو رأس هذه الحلقات الدينية. ونحن من الآن نقول لقرائنا أن الأستاذ لن يستطيع أن يفعل شيئا من هذا وأنه كان أولى به أن يدع أمر كتابه ويقف به حيث وقفنا به من النقد، فهذه واحدة في القدرة على اختراع كلمات ثم تَوَهُّم معنى فيها ثم بناء تاريخ على هذا الوهم.

وننصرف عن هذا إلى القول في الفوضى في فهم الألفاظ العربية فالكاهن عند العرب إجماعا هو الرجل الذي يتعاطى الكهانة وهي الخبر عن الكائنات والحوادث في مستقبل الزمان ويدَّعِي لنفسه معرفة الأسرار واستظهارها. وكانت العرب تسمي كل مَنْ أخبر بشيء قبل وقوعه أو أنذر به قبل أن يقضى أمره (كاهنا). فكانوا يلجأون إلى الكهنة لفض النزاع القائم بينهم في خصوماتهم أو عند إرادة السفر من مكان إلى مكان ليعرف الرجل منهم ما يصيبه في سفره من خير أو شر إلى غير ذلك مما هو من هذا الباب. وليس في كتاب من الكتب ما يدل على أن الكهان كانوا من رؤساء الدين أو أنهم كانوا قائمين بشرائع الجاهلية في شيء أبدًا. والكاهن عند العرب والعراف والمنجم من بابة واحدة مع اختلاف يسير يدل عليه اشتقاق هذه الألفاظ. فالأستاذ قد وقع في هذا الخلط بين معنى الكاهن عند العرب والرئيس الديني كما يسمونه من أنه إنما اعتمد في فهمه هذا على ما يرد في ألفاظ المترجمين الذين ترجموا كتب المستشرقين حين كتبوا عن تاريخ الشرق القديم كمصر والهند وآشور وغيرها، فإن هؤلاء المترجمين لم يجدوا في ألسنتهم كلمة يعبرون بها عن الرئيس الديني إلا قولهم (الكاهن). فهذا اللفظ عند الأستاذ هو كما ترى عامى لا عربي فهمه على عاميته لا على عربيته.

بقى أن نذكر لقرائنا كلمة (الكاهن) التي وردت في القرآن ثم ننتقل بهم إلى معنى (سجع الكهان) موجزين في ذلك غير ناظرين إلى رأي الأستاذ فيما نقوله فإن المعنى العامي الذي فهمه من هذه الكلمة يجعل بيننا وبينه سدا محكما. فالذي ورد في القرآن آيتان إحداهما في سورة الطور وهي قوله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -