به أقوال الأئمة من علمائنا رضي الله عنهم وأننا نأخذ هذا العلم من طريق الفهم لا من طريق الرواية وحدها وأننا لا نستعمل الطريقة (التجارية الأميركية) في تقسم الأشياء وترتيبها وهندمتها وتزيينها للإغراء لا للفائدة.
حصر الأستاذ أنيس (نظرياتنا العلمية) كما سماها في كلمات خمس لا ندري كيف وقعت له على الصورة التي كتبها بها، ورد عليها ردا طريفا يقف بالمسألة كلها على الباب، لا تريد أن تدخل ولا تريد أن تنصرف. وقد نبهنا الأستاذ في مقالنا الأول (حين تكلمنا عن كلمة الجاحظ في سجع الخطباء عند الخلفاء الراشدين) أن الوقوف عند النصوص وتدبرها لفهمها أمر لابد منه وأن فيلسوف الصين الأكبر يقول "من تعلم من غير تفكير فهو في حيرة ومن فكر من غير تعلم فهو في خطر" وسنقرر ذلك نفسه في مقالنا هذا من باب آخر وسنقرر أيضا أن الفوضى التي عمت أدباءنا في فهم الألفاظ ثم القدرة على اختراع كلمات وتوهم معنى لهذه الكلمات، ثم بناء التاريخ على هذا الوهم إنما هو إفساد للعلم وللعقل وللتراث الإنساني كله.
فالأستاذ أولا قد ادعى أن العرب كانت لهم (حلقات دينية! ! ) وأن رأس هذه الحلقات هو (الكاهن) وأن هذا الكاهن كان (يسجع) كلامه في هذه الحلقات فالسجع إذا من (آلات) صناعة الكاهن في الحلقات الدينية ومن هنا خرج إلى مقارنته بالقرآن.
أما مسألة (الحلقات الدينية) عند العرب فما هي إلا وهم توهمه الأستاذ وفَجَأَ القراء به في أول صفحة من كتابه كأنه شيء مقرر ثابت قد أجمعت عليه الرواة وتواترت به الأخبار. وكان من حق القراء الذين يقرأون كتابه أن يبين لهم أستاذهم الأصل الذي جاء منه بهذا البيان عن دين العرب في الجاهلية ثم يصف لهم هذه الحلقات مما استنبطه هو من أصول التاريخ. ونحن ننفي هنا أن العرب كانت لهم حلقات دينية كما يقول الأستاذ وإلا فليأتنا الأستاذ بالدليل الذي يعضد رأيه فما قرأنا مرة واحدة شيئا من هذا لا في تاريخ قديم ولا حديث يوثق به.