إن الأديب ينشأ في أوساط متصارعة بعقولها في طلب الحق، أي في الجماعات التي يشملها الصراع الاجتماعي الهائل، وليس معنى ذلك أن يكون هذا الصراع قائما على أسباب من المفاسد والمقابح التي تفسد النفس وتهلكها، بل معنى ذلك أن يكون هذا الصراع قائما على طلب الحقيقة التي تعصم الأمة من التفكك والذهول والحيرة أي من الفوضى.
فأدب الفوضى، فوضى الأدب هما شيء واحد، وقد احتفظت العصور الكثيرة في الأمم المتعاقبة بصور كثيرة من الفوضى الاجتماعية، وما كان من قدرة أدباء تلك الأجيال، وأين يقع أدبهم من الأدب الجيد، فإذا تناولت ذلك، ودراسته لم تجد إلا الفوضى في هذا الأدب من قبل الفكر والعبارة عنه والغرض الذي يرمى إليه. فلا يخدعن الناس ما يقال في ذلك، فإن أكثر ما بين أيدينا من الأدب إنما يدل دلالة بينة مكشوفة عن حقيقة الفوضى التي جعلت عقول بعض الأدباء كسطح المنخل، لا تمسك حبها على الهز.