للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القوة ما يرتفع به حتى يعتصم بهذا الحاجز إن كان قد بقي منه شيء. وإذا بلغت الأمة هذا المبلغ فالرجاء في قيامها من كبوتها هو رجاء باطل ليس له أصل في السماء ولا في الأرض.

وعلى ذلك، فإن أدب مثل هذا الجيل الذي تغلب عليه الفوضى الاجتماعية لا يكون إلا أدب فوضى من عقول فوضى بآراء فوضى إلى غايات فوضى، أدب لا يرجع إلا إلى الفوضى، ولا ينتهي إلا إليها. فإذا انقشع غبار الفوضى، وتجلت عمايتها عن الناس، كان مصير هذا الأدب أن يحكم عليه بالإعدام فيقتل ثم يلقي في حفرته إلى التعفن والبلى، فإذا خفف الحكم كان حكما بالأشغال الشاقة المؤبدة، ليعمل في البناء التاريخى للأمة ومع ذلك فلن يعرى في مكانه هذا من اللعنات التي يغسل بها كلما ذكر.

إن صاحب هذا الرأي الذي أشرنا إليه آنفا قد احتمل سيله من غثاء الرأي، لا نجد معه حاجة إلى تعقبه للبيان عن وجه الخطأ فيه، أو وجه المغالطة إن كان قد تعمد ذلك. وليس هذا سبيلنا الآن. وإنما أردنا أن نبين قدر اللجاجة التي تسقط الرأي إذا نبعت في أصلها من خطأ الفهم لحرف واحد من الكلام. فلم يتدهور هذا الأديب فيما تدهور فيه إلا بعد أن كان أصل كلامه خلطا عجيبا بين معنى الفوضى، ومعنى الإرادة التي ينشب بقوتها الصراع بين الآراء أو المذاهب أو الضرورات الاجتماعية. إن الفوضى شر كبير لا يشك في ذلك عاقل، وهذا الشر لا يمكن أن ينتج خيرا كالذي يخيله للناس كلامه، والصراع خير وإن ظن فيه بعض الشر! فهو مخيلة الخير في الأدب وغير الأدب.

والأدب إذا بدأ استمداده من الفوضى التي لا تدع، يجب كما يجب، ولا تذهب بما ينبغي أن يذهب إلى حيث ينبغي أن يذهب -فهو أدب ضعيف لا يقوم على أساس من شيء ولا واقع ولا مرجو. وليس يغر أحدًا أن يقال إن الفوضى هي التي تدفع الناس إلى التفكير في إصلاح الفوضى، فإن أول ما يصاب في الفوضى هو التفكير، وإذا أصيب التفكير في مجموع الأمة بهذه الفوضى، لم يجد المصلح من يعقل عنه معنى ما يقول وأخفق أن يجد من يسمع إليه، وإذا فقد الأديب هذين فَقَدَ القدرة على الذهاب في البيان عن إصلاحه.