الناس، وبذلك سيكون ثأثير هذه الحرب -على قصرها أو تطاولها- تأثيرا مباينا لكل تأثير سبقه في أدب الأدباء.
فالأديب في حياته الإنسانية والأدبية يعيش على استمداد الطبيعة الأدبية التي تصيد من مادة الحياة التي يعانيها في كل يوم من أيامه، والتي أرصدتها لها طبيعتها لتكون له أبدا صيدا يغذو منه أدبه وفنه، ويربى على دره عبقريته الأدبية، وطريقه إِلى ذلك طريق لا يكاد يختلف. فالحياة الإنسانية اليومية هي المؤثر الأول في حياة الأديب، وهي التي تشكل أعصابه المفكرة بشكل الصورة التي يمكن أن تخضع لها هذه الأعصاب وتخضع فطرتها. وهذه الأعصاب المتصلة بعقل الأديب الحساس المعبر، هي التي تتناول المادة الفكرية لتصوغها صياغة جديدة من البيان. فليس شك إذن في أن الأفكار -أو الإنتاج- نفسه، سيكون مميزًا ببعض المميزات التي كانت نتيجة طبيعية للتأثير الواقع بصورته في أعصاب الأديب وعلى ذلك -فمهما يتناول العقل الأديب من شيء من أشياء الفكر، قدم أو حدث، بَعُدَ أو قرب- ففي هذا الشيء تظهر آثار بينة من ضغط المؤثرات الإنسانية اليومية التي تقع عليه.
والفكرة في البيان الأدبى هي الأصل الذي تدور عليه بلاغة التعبير اللغوى، وذلك أن الألفاظ اللغوية التي يتداولها أهل كل لسان من الألسنة الكثيرة في هذا العالم ليست إلا رموزا محدودة بحروفها, يراد بها وجه من وجوه الدلالة على معان كثيرة، وهذه المعاني التي تدل عليها الألفاظ تختلف اختلافا كبيرا في فهم رجلين متقاربين متعاصرين وذلك لأن الألفاظ اللغوية بحدها الذي تحده به المعاجم ليس لها عمل البتة إلا إثارة المعاني في نفس قارئها أو سامعها، وهذا السامع أو القارئ يتحين أحيانا لمعانيه, فإذا هزته الألفاظ أخرجت من مكامنها تلك الأفكار الكثيرة المتشابكة المتداخلة التي لا تنتهي، والتي تنام دائما في واعية العقل -أو ما يسمونه العقل الباطن- وعندئذ لا يُبْقِي اللفظ اللغوى معناه المحدود بالمعجم، بل ينطلق في مذاهب لا تنتهي كل معنى منها يركب معنى آخر أو يتعلق به أو يتولد منه.