للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدفع إلى غاية، وتكون الغاية إثباتا لهذه الحقيقة وتقريرا لها في روح الشعب، حتى يتكون من جميع الآثار التي يرمى إليها الأدباء، ما نسميه في هذا العصر بالرأي العام.

فإذا كان إنتاج الأدباء ذاهبا عن هذه الغاية ضالا على وجهه، ليس يهتدى ولا يبصر ولا يستوضح طريقه، فهو إنتاج مخمور، كأنه قد استنقع في كأس من الخمر فهو يمشي متخلعا يتطوح بين حائطين من الضلال، كلما صدم أحدهما قذف به إلى الآخر، ولا يزال كذلك حتى يتهالك مجرحا محطما، لا يتماسك شيء منه على شيء.

لقد سقطت باريس! ! هذا شيء -لا أقول مؤلم أو محزن- بل أقول: هذا شيء كان الظن فيه غير ذلك. فما الذي يؤلم المصري أو الشرقي من سقوط باريس في أيدى الطغاة الذين حملوا على أصحابهم حملة واحدة حتى فرغوا؟ نعم لست أجهل مواقع الحجة لمن يريد أن يحتج منهم، ولكن إن كان الكاتب يألم، فالشعب الذي يكتب له لا يستطيع أن يألم كألمه، أو أن الضرورة الوطنية تحمله على أن يوفر على الشعب عواطفه التي تتألم، لشيء غير هذا. ليس أحد من هؤلاء يجهل أين ينبغي أن تتوجه آلام عواطف الشعب، فالأمر أوضح من أن يحتاج إلى بيان أو دليل، وإذن فواجب هذا الأديب -أو هؤلاء الأدباء- أن يتخذوا من سقوط باريس وأخواتها مادة لتوجيه عواطف الشعب إلى الحقيقة الوطنية العظمى، الحقيقة الوطنية التي لا يعيش الشعب إلا بها، لأنه ليس له قوام إلا بها، ولا بقاء له إلا عليها.

إننا نعانى من قرون بعيدة آلاما كأشد الألم إذا تمكن حتى يفقد صاحبه الشعور به، من طول إلحاحه عليه حتى يعتاده ويقر عليه. وهذه الآلام يعوزها من يقوم على تصويرها لشعبه تصويرًا جديدًا حتى يتمثلها في دمه آلاما جديدة قد ولدت له خاصة في جيله هذا، وبذلك يبقى الشعب أبدًا وهو يجد في دمه تاريخه الموروث بآلامه، فيعرف واجبه في العمل على دوائها والقضاء عليها، فكان يجب على هؤلاء أن ينتزعوا من سقوط هذه المدينة أمثالا جديدة لقرائهم -أي