من صدور هؤلاء الثلاثة. ولست أدري الآن كيف يتاح لي أن أنهج مع الشعر والشعراء نهجًا يكون رضا ومَقنعا وباعثًا علي تجويد الأساليب والمعاني حتى ينقذ الشعراء فنهم من الضياع؟ فلندع هذا إلى حينه، وإلى رأي الشعراء في "مطالبهم"، فقد صار لكل أصحاب صناعة مطالب وحتى النساء، فكيف لا يعرف الشعراء مطالبهم وحقوقهم وهم أرهف إحساسا وأنبل مقصدًا وأبين بيانًا! !
وأما الكتب التي تصدر في خلال الأسبوع أو قبله بكثير أو قليل فسننهج لها نهجًا مخالفًا لمنهج العرض الكامل أو النقد الشامل، فإن هذا أحق به باب "الكتب" و"النقد" وإنما نعرض لها من حيث يتوجه لنا الرأي في غرض الكتاب الذي يرمى إليه، وأين يقع منه. وربَّ كلمة واحدة في صدر كتاب أو ذيله، لم يعرضْ لها الكاتب إلا شاردًا أو كالشارد، ثم تكون هي تربو بمعانيها على الكتاب كله وعلى أغراضه أيضا، فربما وقفنا عند هذه وقفةً تَجيش لها النفس من نواحيها، فنحتفل لها أشد احتفال وأعظمه لتكون كالعَلَم علي المعاني النبيلة التي تضيع في خرائب الكتب.
وبقيت كلمة. . . .، فقد أحسن "الزيات" إذ تنبه إلى هذا الباب -الآن- من أبواب مجلته وقد أغفله كل هذه السنين. فإن الحرب والثورة وما في معناهما هي اضطراب عنيف يهز أعصاب الحياة ويقضقض أوصالها، فلا جَرَم إذن أن تدور الرؤوس وعقولها دورات كثيرة حول نفسها، فتختلّ الأوزان والمقاييس في كل شيء، وأن تبدأ الحياة بعد الحروب بدءًا جديدًا، ويكون الناس إذ ذاك كالناشر من باطن الأرض وقد خرج من أكفانه ليرى ظاهرها كل شيء غريب وغير مفهوم، ومع ذلك فهو جديد لذيذ لا يملُّ وإن كان كله خطأ وفسادًا واستحالة وسببًا من أسباب الفناء، وكذلك يكون الأدب والأدباء بعدَ الحرب، كما أخرجت الحرب الماضية ثم الثورة المصرية سنة ١٩١٩ جيلًا من الأدباء استفحل أمرهم وذاع صيتهم وضربوا في الأدب بأسهم مفلولة محطمة، ومع ذلك. . . .
فهذا الباب في هذه الأيام -إلى ما بعد الحرب- يصوِّر بعون الله وتوفيقه