للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظروف قيامها في سبيل هذا المدد الحي الذي أمدت به شعوب الشرق في ساعة التاريخ العظيمة.

وطبيعة الصراع قائمة على انتهاز كل فرصة عارضة واستغلالها بالمضاء والعنف والاقتسار وجعل أوائل الفرص إذا أقبلت على المصارع خاضعة للإرادة التي تتحكم في الغايات التي ينتهي إليها في صراعه. فعمل الشرق الآن عمل حقيقي لا وهمي، والفرص العارضة له حقيقة مستمرة باستمرار الحالة الدولية التي نشبت في أعصاب الأمم المتعادية المتنازعة على أغراضها وأطماعها، وتاريخ الشرق منذ اليوم قد افتتح صفحة جديدة من كتابه ليثبت فيها هذا الشرق حقيقة الوراثة البعيدة التي جعلته فيما مضى حارسا على العقل الإنساني وإنتاجه وعبقريته.

وسبيل الشرق إلى هذا التجديد في تاريخه، وسبيل مصر -وهي رأس الشرق اليوم- في تجديد تاريخها، هي طرح الأناة والغفلة والخمول، واحتمال مؤونة العذاب في العمل على إنتاج الشعب الذي يستعد بفطرته للدخول في المعركة الحاسمة التي تقطع عهدا مضى عن عهد يستقبل. وسبيل ذلك أن نتعاون ونتظافر ونتظاهر على إحياء التراث القومى الذي لا يعرف المسامحة في محاسبة أصحاب التهاون في مصير أوطانهم، وأصحابهم الحرص على منافعهم التي ينتهشونها من أيدى الجبارين والطغاة، وأصحاب اللهو والعبث بروح الأمة وعقلها وحقائق وجودها.

وإن كل أحد منا قد أقامته مصر -أو أقامه الشرق- حارسا على ثغرة من ثغور البلاء، وكتبت عليه أن يدافع دونها دفاع المستميت حتى الموت، وأن ينذر بالعدو إذا أقبل عليه وأجلب (١)، فإنما كل أحد منا طليعة لجيش أو ربيئة، فلابد أن يكون في عينيه ذلك الضوء النافذ الذي يخترق ظلمة المخارم (٢) والثنايا


(١) أجلب جمع عُدَّته وحشد رجاله من كل وجه. الربيئة: الذي يعتلى مكانا يراقب حركة العدو وينذر قومه.
(٢) المخارم: الطرق في الجبال، جمع مَخْرَم.