وهذه العامية العصرية في الفكر والرأي والإحساس، قد تناولت كل شيء في الحياة الاجتماعية العربية، حتى ما تكاد تجد معنى من معاني الحياة يتسامى عن الإسفاف العامى الهابط إلى أردأ ما تعرف من القبح والسماجة. ولو أردت أن أظهر لك قبح ما نتورط فيه من عامية العصر، فذهبت بك إلى الأصل الذي لا يكاد يتخلى منه إنتاج أدبى صحيح: وأخص الشعر، لرأيت أن منبع الوحي الأدبى في عصرنا هذا، منبع وحل قد تضرب طينا في ماء في حمأة في عفن الحياة الإنسانية الرديئة.
فالشاعر حين يشتعل في روحه ذلك السراج الإلهي الطاهر المقدس، فيمشي بضوئه في الأرض ليبدأ رحلته في الأعماق النفسية الهائلة المرصدة لشاعريته فيتقدم إلى باب المعبد الروحي، يجد هذا الباب قد دار به في أقبح ما يتصور العقل من مستنقع طينى نازل زلق. فالمرأة باب المعبد: لا يزال الشعراء يعرفون بها طريق الحقائق العليا للوجود الأسمى، فإذا بدأتهم بأوحالها فما يزال الشاعر على أوحالها ينزلق يرفع رجلا ويهوى بأخرى لا يكاد يستقر حتى على هذه الحقيقة الطينية الطبيعية.
وعامية العصر أعظم تمثلا في المرأة منها في الرجل، لأنها بطبيعتها أقدر على مداورة الحياة الاجتماعية بأسلوبها الرقيق السحرى الذي اختصت به ودربت عليه وتفننت فيه، فهي اليوم في عاميتها، وسوء تركيبها وقلة احتفالها بالعقل النبيل وغفلتها عن حقيقة ما يتطلبه شعبها من جهودها الصامتة التي لا تعرف إلا نظرة الحنان، تلك النظرة التي تبعث بضعفها في قلب الرجل أقوى القوة -أقول: هي اليوم قد نزلت بالأدب والشعر والفن نزولا عاميا كنزولها حتى ما ترى شاعرا يستطيع أن يسمو أو يتغلغل لأنه لا يزال ينزلق في الأوحال التي تسيل أمامه ومن خلفه وحواليه وتحت قدميه.
ولو ذهبنا نتتبع سائر ما يحيط بالأدب وأهله، وما يجعل العوامل العامية أشد أثرًا في كل إنتاج أدبى لطال بنا ما نتولجه من القول في هذا الباب، ولكنك إذا أَسْدَدْتَ النظر إلى هذا الأمر عرفت أن الحقيقة هي ما ذكرت لك، وأن العمل