للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على التخلص من عوامل الضعف في الأدب يحتاج إلى جهد هائل من الأدباء أنفسهم حتى يبلغ بهم جهدهم، يريدون من تمحيص أدبهم، وجعله مادة حقيقية تعمل في الحياة عملا نافعا يشفي من داء العامية ليجد في قوة الشعب قوة يمتلئ بها شبابا وعزما ليكون أجمل مما هو وأسمى مما هو.

وفي هذا الجو العامى يجب على الأدباء أن يبحثوا لأنفسهم عن أساليب جديدة لكفاح هذه الجرثومة المبيرة المهلكة لهم ولأدبهم، وينبغي أن تبدأ الأساليب كلها من باب واحد يكون هو الأصل، وهذا الباب هو باب الاعتزال عن المغريات التي تدفع الأديب لشهوة الصيت والاحتفال بذلك لتقوية الروح المقاتلة التي لا تعرف الهزيمة في العمل دون الموت. فإذا تم ذلك للأديب - أو الأدباء استطاعوا أن يمحقوا جراثيم الداء في كل مكان بالإرادة الصارمة والعزم النافذ.

ولكن الأدباء في بلادنا ومن أهل لغتنا لا يحبون أن يأخذوا أنفسهم بالجد والاعتزام وطول الحرمان ومجاهدة الطائع المعادية للواجب، فهم ينساقون في طريقهم على الهوى والهوادة ومتابعة الشهوات الغالبة، ومحاباة العواطف المريضة، التماسا للراحة بعد الإنتاج السريع. وبذلك لم يكن لأحد ممن نعرف مذهب يستقل به ويقوم عليه، ويذب عنه بالروح القوية التي تحمله على التضحية بكل شيء في سبيل المذهب الذي يعمل في تمهيده وتطريقه للناس بعده، وكذلك ليس لهم غاية يجد لها أحدهم القلق الدائم المستمر الذي يدفعه من كل ناحية إلى بلوغها وإدراكها والظفر بها.

من أجل ذلك أصبحت تجد أدب الأدباء وشعر الشعراء وفن الفنانين خطرات من الرأي أو الفكر أو الخيال ليس لها جامع يجمعها، ولا رابط يربط بين متفرقها حتى يمكن أن يتكون من مجموعها للأديب الواحد -أو الشاعر الواحد أو الفنان الواحد- مذهب صحيح يفضى إلى غاية على ترتيب ونظام ومساوقة، ومن أجل ذلك أيضًا كان هؤلاء تمثيلا صحيحا لصورة الشعب الذي لا رأي له. ولا مذهب ولا غرض ولا غاية، ، ومن أجل ذلك أيضا صار الأدباء أتباعا للشعب لا قادة له،