والمذياع وسائر أساليب الدعوة تمكن لصاحب الصوت أن يبلغ بصوته حيث أراد إلى من شاء على الوجه الذي يحب.
ولكن نشأت مع هذه الأشياء عوائق بقدرها جعلت الدعوة بهذه الطرق أقل أثرا مما يراد منها أو يرجى فيها، ولم يكن وجودها في الحقيقة إلا طريقا جديدًا لإفساد الأساليب الصحيحة في الدعوة للإصلاح الكامل الذي يراد به تجديد القلوب، أي تجديد حياة الشعب تجديدًا نفسيا عميقا ثابتا.
ومع هذا فما أحسب أن الأمر قد أحبط إلا من ناحية واحدة، هي فقدان الصوت المستجاب في كل قلب. فإذا وجد هذا الصوت للعالم، فقد يتغير كل شيء، ويصبح تجديد القلوب أمرًا سهلا على صاحبه ومالك أمره والقائم عليه. وإذا أتت ساعة خلاص العالم من فتنة الحضارات المتجبرة الطاغية المتوحشة، فقد يكون عمل العامل في تجديد قلوب البشر هو الفتح الصحيح للتاريخ الجديد للعالم ويمضي عصر ويأتي عصر، ويومئذ يقف لفظ واحد في التاريخ ليدل على نوع الحضارة التي نعيش فيها، فيسمى هذا العصر "عصر القلوب المتحجرة".
"قلوب جديدة": هذه هي غرض الحضارة الجديدة التي يتمخض عنها العالم اليوم، فإذا عرفنا الغرض فما يصعب علينا أن يقوم كل أحد منا بالتجربة بعد التجربة لإيجاد قلب جديد في صدره مكان قلبه المتحجر، إن الشباب لا يضيع مع طول العمر، ولكنه يضيع مع طول العبث، والحياة لا تفنى مع شدة الجهد، ولكنها تفنى في شدة الغفلة، والعقل لا يكل مع طول الفكر، ولكنه يكل مع طول الاستخفاف بالفكر. وشباب الشعوب وجهودها وأفكارها هو الحضارة كلها، وأصل الحضارة في القلب الشاب العامل المفكر الذي لا يسكن ولا ييأس ولا يقسو حتى يتحجر.
فهل يستطيع العالم أن يبدأ التجربة على الانفراد، فإذا جاء الداعى للحق بالحق، وجد أعوانه لإنشاء القلوب الجديدة في كل مكان في الأرض.