حتى صارا شاعرين لا تنزل ديباجة كثير من كلامهما عن ديباجة شعر العصر العباسى، ولكنهما وقعا في أشد مما وقع فيه البارودى، فكانا كثيرًا ما يقلدان شعراء هذا العصر في نهج شعرهما، وفيما لم يحسا به، وفيما لم يعرفاه على وجهه من تاريخ تلك الحقبة من حضارة الدولة العربية، فصارا يستعيران من كلامهم وأسلوبهم ما ليس يغني شيئًا في مثل عصرهما، وإن شئت فقل: ما ليس له معنى في هذا العصر.
ولما استقاد لهما الكلام العربي السليم، نظرا فأبصرا سبعين مليونًا من العرب يرسفون في أغلال الاستعمار الأوربى، ومن ورائهم خمسون مليونًا ومئتا مليون مسلم من أهل القرآن يرسفون في هذه الأغلال أيضًا، وفي أغلال مثلها من الجهل والتفرق والتنابذ والتدابر والعصبية الجاهلية. ثم تلفتا فإذا مجد باذخ عريق كان لأسلاف هذه الأمة من خلق الله، ولأوطانها التي تعيش فيها -مجد يضرب بجذوره إلى آلاف من السنين في مصر والشام وبلاد العرب والعراق وتونس ومراكش والجزائر وتركيا وفارس والهند وما والاها. ولم يلبثا أن سمعا صوت جمال الدين الأفغانى، وهو يدور في أرجاء الدنيا ليوقظ هؤلاء المسلمين من غفواتهم، ويحملهم على فضّ تلك الآصار التي ضربت عليهم. ثم لم يلبثا أن سمعا الصيحة الأولى في أرض مصر والسودان- صيحة الجهاد والتحرير التي انبعثت من قلب الفتى مصطفى كامل في نحو سنة ١٨٩٠، ورددتها جنبات الوادي، واستيقظ على رَوْعتها ذلك الجيل المستسلم بعد فُجَاءَة الاحتلال. فانتبه هذان الشابان وتسمَّعا، فإذا صيحات أُخَر تدوى في نواحي الأرض العربية والأرض الإسلامية كلها، داعية إلى التحرر من ضراوة الاستعمار الأوربى، ومن البطش التركى، ومن الجهل المستبد الجاثم على هذه الشعوب، ومن الخوف الذي يقبض الهمم ويُغلُّ النفوس. وإذن فقد نشأ هذان الشاعران في زمن كل ما فيه يدعو الشاعر إلى أداء الفَرْض الأول على أبناء الوطن، وهو الجهاد، فماذا كان من أمرهما؟