ابن سلام، وانفرد هذا الإسناد بمطابقة المخطوط والمطبوع، كما ذكرنا آنفًا في شأن الأغانى. وطرحت رواية سائر الأسانيد غير هذا الإسناد الواحد. وبمثل هذا السياق من الاستدلال فعلت فيما جاء في أمالى الزجاجى، وما جاء في الشعر والشعراء. فبيّنٌ إذن مما أطرحت نقله من روايات أبي الفرج الكثيرة في أغانيه، وما أطرحت أيضًا من روايات المرزبانى الجمة في موشحه، أنّى لم أنقل إلى الطبقات "كل ما رأيته مرويًّا عن ابن سلام". فأظن ظنًّا أن ما فعلته دليل قاطع، يمسك سيل الأسئلة التي ساقها الأستاذ صقر على لسان النقاد، وأنطقهم بها في مقاله.
أما سائر الكتب التي نقلت عن ابن سلام، غير هذه الأربعة، ففيها علم كثير عن ابن سلام، لم أنقل إلى الطبقات منه شيئًا. ولكنه الإسراف، زلَّ معه اللسان، وأزلنى حتى أطلت في أمر بين لمن تأمل مقدمتى فضل تأمل.
* * *
ولما أسرف ابن أخي في الثناء وفي البيان، كانت العاقبة أن فرّط في الإبانة عن حجتى في تسمية الكتاب "طبقات فحول الشعراء" لا "طبقات الشعراء". فإني ذكرت في هذا الموضع من المقدمة نصّين عن أبي الفرج أغفلهما الأستاذ في نقده. أحدهما في ترجمة المخبل السعدى، إذ يقول:"ذكره ابن سلام في الطبقة الخامسة من فحول الشعراء". والآخر في ترجمة عبيد بن الأبرص، إذ يقول:"وجعله ابن سلام في الطبقة الرابعة من فحول الجاهلية"، فإذا ضم إليهما قول ابن سلام نفسه:"فاقتصرنا من الفحول المشهورين على أربعين شاعرًا"، كان بينًا لمن يستبين، أن ابن سلام لم يؤلف كتابه إلا لذكر طبقات "فحول الشعراء" في الجاهلية والإسلام، واقتصر عليهم. وكان أيضًا بينًا أنه لم يؤلفه لذكر "الشعراء" بلا وسم ولا صفة. هذا مبلغ جهدى وحجتى، وبها أتوسل إلى الأستاذ صقر أن يعذرنى، وإلى النقاد أيضًا إن استطاعوا إلى العذر سبيلا.
* * *
وللأستاذ صقر بعد ذلك رأي في الشعر، ومآخذ على ما شرحت منه.