للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١ - أخذ عليّ شرحي للبيتين الأخيرين من قول دويد بن زيد بن نهد، حين حضره الموت:

اليوم يُبنى لدويد بيتُه ... لو كان للدهر بلى أبليتُهُ

أو كان قرنى واحدًا كفيته ... يا رب نهب صالح حويتهُ

"ورب غَيْل حسن لويته ... ومعصم مخضَّب ثنيتهُ"

ولما كنت أعلم، والله أعلم، أن لكل لفظ يأتي به الشاعر دلالة على معنى، وأنه لا يسوغ لي أن أسقط بعض الألفاظ أو دلالة بعض الألفاظ، فقد شرحت الأبيات، على قدر حظى من فهم الشعر، ومن فهم لغة العرب، ومن فهم بعض طبائع البشر. ولكن رأي الأستاذ صقر أن كل ما يمكن أن يؤخذ -من البيتين الأخيرين- هو أنه يذكر شبابه ومتاعه بالنساء ذوات السواعد السمينة، أو كما قال. وللأستاذ رأيه بلا معارضة، وله أن يستعمل لفظ "كل" حيث شاء. ولكني رأيت الشاعر أغفل ذكر الساعد وأتى بالصفة "غيل"، لا لأنه أراد "السواعد السمينة"، بل لأنه أراد ساعدًا يترقرق ماء شبابه، كما يترقرق الغَيْل، وهو الماء السحّ، السهل الجرية على وجه الأرض، يتلألأ بريقه بين الشجر الملتف الناضر، وفي ظله الظليل. وإذا كان ماء شبابه كذلك، فهو ساعد ممتلئ مشرق البشرة، لم يهجّنه إسراف في "سمن"، بل هو "غيل حسن"، وهو نعت يدل على القصد والاعتدال والبراءة من الإسراف. وإذا كان كذلك فصاحبته منعّمة، لم تغذ بؤس معيشة، كفيت شقاء المهنة، وأعفيت من ممارسة العمل، وإذا كانت كذلك فلها وال شريف سرىٌّ، وخدم يحوطونها أن تمتهن. وإذا كانت كذلك فهي في نعمة من عيشها، ومنعة من أهلها وخدمها، وهم جميعًا حراس عليها. أو هذا على الأقل، هو شيمة السادة والأشراف من العرب في شأن فتياتهم ونسائهم. فليس عجيبًا إذن أن أقول: "كنى بالبيت الأول عن تجاوز الأحراس والمنعة إلى الكريمة المنعمة".

وقد غفلت في شرح البيت عن بيان معنى "لويتُه". والظاهر على مذهب الأستاذ صقر، أنه أراد أنه لوى ساعدها كما يلوى الحبل. ولكني أعجب: أي