للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: وأما ما استدل به من يمنع التعدد من أنها سميت جمعة لاستدعائها الجماعات فهى جامعة لها، فلا يفيده لأنه حاصل مع التعدد، ولهذا قال العلامة ابن جرباش فى النجعة (بضم النون) فى تعداد الجمعة: لا يقال إن القول بالاجتماع المطلق قول بالاحتياط وهو متعين فى مثله ليخرج به المكلف عن عهدة ما كلف به بيقين، لأن الاجتماع أخص من مطلق الاجتماع، ووجود الأخص يستلزم وجود الأعم من غير عكس، ولأن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين، ولم يوجد دليل عدم جواز التعدد، بل قضية الضرورة عدم اشتراطه، وقد قال الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (١). وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (٢).

والقول بعدم تعدد الجمعة مع الحاجة وكثرة الناس، عسر يأباه سهولة الدين ويسره (وقالت) المالكية والحنبلية: يجوز تعدد الجمعة لحاجة كضيق المسجد عمن يحضر لصلاة الجمعة وكوجود عداوة بين أهل البلد (قال) الشيخ منصور بن إدريس: وتجوز إقامتها فى أكثر من موضع من البلد لحاجة (كضيق) مسجد البلد عنأهله (وخوف) فتنة بأن يكون بين أهل البلد عداوة فيخشى إثارة الفتنة ياجتماعه فى مسجد واحد (وبُعد) الجامع عن طائفة من البلد ونحوه كسعة البلد وتباعد أقطاره، فتصح الجمعة السابقة واللاحقة، لأنها تفعل فى الأمصار العظيمة فى مواضع من غير نكير، فكان إجماعاً. قال الطحاوى: وهو الصحيح من مذهبنا. وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يقمها هو ولا أحد من الصحابة فى أكثر من موضع فلعدم الحاجة إليه، ولأن الصحابة كانوا يؤثرون سماع خطبته وشهود جمعته وإن بعدت منازلهم، لأنه المبلغ عن الله تعالى، وكذا العيد تجوز غقامتها فى أكثر منموضع من البلد للحاجة لما سبق. فإن حصل الغنى بجمعتين اثنتين لم تجز الجمعة الثلثة لعدم الحاجة إليها. وكذا إذا حصل الغنى بثلاث لم تجز الرابعة، أو بأربع لم تجز


(١) آخر سورة البقرة.
(٢) ص ١٤٣ ج ٢ البحر الرائق، والآية آخر سورة الحج.