للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٣٣) خطبة لعلي رضي الله عنه لما ولى الخلافة

بويع عليّ بالخلافة يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، فخطب الناس: حمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

إن الله أنزل كتاباً هادياً بين الخير والشر، فخذوا بالخير ودعوا الشر. الفرائض الفرائض، أدوها إلى الله تعالى يؤدكم إلى الجنة. إن الله حرم حرمات غير مجهولة، وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها، وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق. لا يحل دم امريء مسلم إلا بما يجب. بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم الموت، فإن الناس أمامكم، وإنما خلفكم الساعة تحدوكم، فخففوا تلحقوا؛ فإنما ينتظر بالناس أخراهم. اتقوا الله عباد الله في بلاده وعباده، إنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم. أطيعوا الله فلا تعصوه. وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فدعوه "واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض".

ذكره ابن الأثير (١). (٧٤)

(٣٤) خطبة له في الحث على العمل والإخلاص

وخطب أيضاً فقال بعد حمد الله والثناء عليه:

أما بعد: فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، ألا وإن المضمار اليوم وغداً السباق. ألا وإنكم في أيام أمل من ورائها أجل، فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله نفعه عمله ولم يضره أجله، ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره أجله. ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها، ألا وإنه من لم ينفعه الحق يضره


(١) ص ٧٦ ج ٣ تاريخ الكامل (بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) و (تحدوكم) أي تتبعكم، يقال: حدا الليل النهار، أي تبعه.