للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعلموا كتاب الله، فإنه أفضل الحديث، وتفقهوا في الدين، فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره، فإنه شفاء لما في الصدور، وأحسنوا تلاوته، فإنه أحسن القصص. وإذا قريء عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون، وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم به لعلكم تهتدون، فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستقيم عن جهله، بل قد رأيت أن الحجة أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه، من هذا الجاهل المتحير في جهله، وكلاهما مضلل مثبور (١). لا ترتابوا فتشكوا، ولا تشكوا فتكفروا، ولا ترخصوا لأنفسكم فتذهلوا، ولا تذهلوا في الحق فتخسروا. ألا وإن من الحزم أن تثقوا، ومن الثقة ألا تغتروا، وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه، وإن أغشكم لنفسه أعصاكم لربه. من يطع الله يأمن ويستبشر، ومن يعص الله يخف ويندم. ثم سلوا الله اليقين، وارغبوا إليه في العافية. وخير ما دام في القلب اليقين. إن عوازم الأمور أفضلها (٢). وإن محدثاتها شرارها، وكل محدث بدعة، وكل محدث مبتدع، ومن ابتدع فقد ضيع، وما أحدث محدث بدعة إلا ترك بها سنة. المغبون من غبن دينه (٣)، والمغبون من خسر نفسه، وإن الرياء من الشرك، وإن الإخلاص من العمل والإيمان، ومجالس اللهو تنسى القرآن، ويحضرها الشيطان، وتدعو إلى كل غي. ومجالسة النساء تزيغ القلوب، وتطمح إليها الأبصار، وهن مصائد الشيطان، فاصدقوا الله فإن الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب للايمان. ألا إن الصدق على شرف (٤) منجاة وكرامة، وإن الكذب على شرف رديء وهلكة.

ألا قولوا والحق تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من


(١) من ثبره الله: أهلكه. ويقال: ثبر هو ثبوراً: هلك.
(٢) العوازم جمع عزيمة وهي الفريضة. وقيل: ما وكدت رأيك وعزمتك عليه ووقيت بعهد الله فيه.
(٣) غبن من باب ضرب، يقال: غبنه أي نقصه، وغبن بالبناء للمفعول فهو مغبون.
(٤) على شرف بفتحتين، أي على رغبة فيه، يقال هو على شرف من كذا إذا كان مشارفاً يقال في الخير والشر.