للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن لا يستقيم به الهدي يجور به الضلال، ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك، ومن لا ينفعه حاضرة فعازبه عنه أعور وغائبه عنه أعجز. وإنكم قد أمرتم بالظعْن , ودللتم على الزاد ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم اثنان: طول الأمل واتباع الهوى. فأما طول الأمل فينسى الآخرة. وأما اتباع الهوى فيبعد عن الحق. ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة , ولها بنون.

فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم، ولا ذكره ابن كثير (١). (٧٧)

(٣٧) خطبة جامعة لسيدنا على رضى الله عنه

وخطب كرم الله وجهه سنة ٤٠ فقال:

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره. وسبباً للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته. عباد الله: إن الدهر يجرى بالباقين كجريه بالماضين. لا يعود ما قد ولي منه، ولا يبقي سرمداُ ما فيه، آخر فعاله كأوله، متسابقة أموره، متظاهرة أعلامه. فكأنكم بالساعة تحدوكم حد الزاجر بشوله، فمن شغل نفسه بغير نفسه تحير في الظلمات، وارتبك في الهلكات، ومدت به شياطينه في طغيانه، وزينت له سيئ أعماله؛ فالجنة غاية السابقين، والنار غاية المفرطين.

واعلموا عباد الله أن التقوى دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل، لا يمنع أهله، ولا يحرز من لجأ إليه، ألا وبالتقوى تقطع حمة الخطايا، وباليقين تدرك الغاية القصوى.


(١) انظر ص ٣٠٧ ج ٧ البداية (خطبة لعلى في أهل العراق) و (العازب): البعد، أي من لم ينتفع بالحاضر لا يستفيد من الغائب.