للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباد الله. الله في أعز الأنفس عليكم، وأحبكم، فإن الله قد أوضح لكم سبيل الحق. وأنا طرقه؛ فشقوة لازمة، أو سعادة دائمة. فتزودوا في أيام الفناء لأيام البقاء، قد دللتم على الزاد، وأمرتم بالظعن، وحثثتم على المسير؛ فإنما أنتم كركب وقوف لا تدرون متى تؤمرون بالمسير؛ ألا فما يصنع بالدنيا من خلق للآخرة، وما يصنع بالمال من عما قليل يسبه وتبقي عليه تبعته وحسابه.

عباد الله: أنه ليس لما وعد الله من الخير مترك. ولا فيما نهي عنه من الشر مرغب. عباد الله احذروا يوماً تفحص فيه الأعمال، ويكثر فيه الزلزال. ويشيب فيه الأطفال. اعلموا عباد الله أن عليكم رصداً من أنفسكم، وعيوناً من جوارحكم. وحفاظ صدق يحفظون أعمالكم، وعدد أنفسكم. لا تستركم منهم ظلمة ليل داج، ولا يكنكم منهم باب ذور تاج، وإن غداً من اليوم قريب، يذهب اليوم بما فيه، ويجئ الغد لا حقاً به. فكأن كل امرئ منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته ومخط حفرته، فياله من بيت وحدة ومنزل وحشية ومفرد غربة. وكأن الصيحة قد أتتكم، والساعة قد غشيتكم، وبرزتم لفصل القضاء. قد زاحت عنكم الأباطيل، واضمحت عنكم العلل، واستحقت بكم الحقائق، وصدرت بكم الأمور مصادرها. فاتعظوا بالعبر، واعتبروا بالغير وانتفعوا بالنذر.

ذكره في النهج (١) (٧٨)

(٣٨) خطبة لعلى رضي الله عنه في الرجاء والخوف والصبر.

وخطب أيضا فقال: أيها الناس: احفظوا عنى خمساً، فلو شددتم إليها المطايا حتى تضمنوها لم تظفروا بمثلها: ألا لا يرجون أحدكم إلا ربه ,


(١) ص ٣٠٥ ج ١ نهج البلاغة و (السرمد) الدائم و (الشول) بفتح فسكون: الناقة التي شال لبنها، أي ارتفاع. والباء بمعني اللام: والمعني. تسوقكم سوق الزاجر لإبله لتسيره و (حمة) بضم ففتح (الخطايا) أي ضررها وشرها. و (الداجي): المظلم، و (الرتاج) بالكسر: الباب العظيم محكم الغلق.