للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللسان به ناطقاً ذلولا عالماً بأسبابه، ولكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة، دل فيها على طاعته، ونهى عن معصيته، ثم بكى فتلقى دموع عينيه بردائه ونزل، فلم يعد بعدها على تلك الأعواد حتى قبضه الله تعالى. (٨٨).

(٤٨) خطبة جامعة للحسن البصرى

قال بعد حمد الله والثناء عليه:

يا بن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً. يا بن آدم إذا رأيت الناس فى الخير فنافسهم فيه، وإذا رايتهم فى الشر فلا تغبطهم عليه، الثواء (١) ههنا قليل، والبقاء هناك طويل، أُمتكم آخر الأمم وأنتم آخر أُمتكم، وقد أسرع بخياركم، فماذا تنتظرون؟ هيهات هيهات، ذهبت الدنيا بحاليها، وبقيت الأعمال قلائد فى أعناق بنى آدم، فيالها موعظة لو وافقت من القلوب حياة. أما إنه والله لا أُمة بعد أُمتكم، ولا بنى بعد نبيكم، ولا كتاب بعد كتابكم، أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم، وإنما ينتظر بأولكم أن يلحقه أخركم. من رأى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد رآه غادياً رائحاً، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة. فالوحاء الوحاء (٢)، والنجاء النجاء، علام تعرجون؟ (٣) أُوتيتم ورب الكعبة. قد أسرع بخياركم أنتم فى كل يوم ترذولون (٤) فماذا تنتظرون؟ إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم على علم منه، اختاره لنفسه، وبعثه برسالته، وأنزل عليه كتابه، وكان صفوته من خلقه، ورسوله إلى


(١) الثواء بالفتح والمد: الإقامة.
(٢) ويقال: الوحاك الوحاك فى الحث على الاستعجال، وتوحى أسرع.
(٣) تعرجون بضم ففتح فشد الراء: من التعريج وهو الميل والانعطاف.
(٤) ترذلون بفتح فسكون فضم: من الرذل وهو العيب والقبح، أى ترتكبون ما لا يرضى.